كتبت ليا القزي في صحيفة “الأخبار”:
سقوط المرشحين العلويين والمسيحيين في الانتخابات البلدية في طرابلس أعاد النغمة القديمة عن حرب الإلغاء والتهميش الذي يتعرض له هؤلاء في المدينة التي أُعطيت منذ سنوات، نتيجة عوامل عدّة، طابعاً إسلامياً. أرقام المرشحين المسيحيين التي أتت أعلى من أرقام بعض المرشحين السنّة والعلويين لم تُهدّئ فورة «الخائفين»
لا يوجد بند في قانون الانتخابات يشترط تقسيماتٍ طائفية للمقاعد البلدية. وفي بلدٍ صناعة الجبنة فيه تكون وفقاً لقواعد طائفية، وفي مجتمع تُرفع فيه شعارات تبدأ من «مظلومية أهل السنّة»، مروراً بـ«التهميش المسيحي وعدم الاعتراف بهم»، وصولاً إلى تنصيب جونية «عاصمة الموارنة والشرعية المسيحية» وطرابلس «قلعة المسلمين»، يُصبح أي شيء مباحاً.
قبل التوصل إلى إلغاء هذه الأعراف الطائفية، سوف يبقى انتخاب مجلس بلدي في طرابلس من 24 عضواً (بيّنت النتائج الرسمية أن 16 منهم من لائحة قرار طرابلس التي يدعمها اللواء أشرف ريفي و8 أعضاء من لائحة التوافق) من لون طائفي واحد «أمراً يُهدد الميثاق الوطني».
خسر المرشحون المسيحيون والعلويون في انتخابات طرابلس لأنّ قساوة المعركة بين الرئيس سعد الحريري و«لوائه» المتمرد عليه وزير العدل أشرف ريفي من جهة، وتسابق زعامات المدينة «السنيّة» الأخرى على إثبات حضورها وإعادة رسم المشهد قبل الانتخابات النيابية، حتّمت ذلك. على العكس من الدورات السابقة، حرصت كلّ اللوائح التي تشكلت على الأخذ في الاعتبار «حساسية التوازنات»، مُدركةً أهمية الحفاظ على «التنوع». تركيز المتنافسين كان على عدم تشطيب ممثلي هذين المكونين، وإن كان لا بدّ من تشكيل لوائح فليكن ذلك على حساب «المرشح السنّي».
لا شك في أن عدد المسيحيين يتناقص في طرابلس لأسباب شتّى، ولا شك أيضاً في حدة الأزمة التي تسود العلاقة بين جزء كبير من علويّي المدينة وجزء كبير من سنّتها. لكن يبدو مبالَغاً فيه القول إنّ الانتخابات شهدت حرباً إلغائية ضد المسيحيين والعلويين. والدليل على ذلك، الأرقام التي حصل عليها المرشحون المسيحيون والتي تجاوزت أرقام بعض المرشحين السنّة (فرح عيسى نالت 15763 وعمر حلاب نال 15710). فالمشكلة تكمن في قانون الانتخاب الأكثريّ، الذي سيبقى سبباً لتهميش شرائح اجتماعية وسياسية وطائفية ودينية.
أول من أمس، وصلت إلى البريد الإلكتروني للصحافيين رسالة استقالة النائب روبير فاضل من المجلس النيابي بعد أن «كشفت معركة الانتخابات البلدية غبارها، وإذا بها تغيب أو تهمش أكثر من مكون أساسي من المجلس البلدي الجديد أو على الأقل أخلت بالأعراف وبالجوهر». وأضاف إليها «عدم استعداد المتحاورين أو المتناحرين لتنازلات تحفظ الوطن وتصون المواطنات والمواطنين، وحيث إن جهودي في التشريع لقضايا أساسية كلها قوبلت بصمت وتردد ولامبالاة».
صاحب أحد أهمّ المجمعات التجارية في البلد، الغائب عن طرابلس مُعظم الأوقات «لأسباب عمليّة»، لم يُقدم استقالته غداة التمديدين الأول والثاني لمجلس النواب، مُبرراً ذلك بأنه «لم أصوت مع التمديد في المرة الأولى وتمنوا عليّ أن لا أستقيل وفي المرّة الثانية تنازلت عن راتبي». لم يتنازل عن السلطة يوم غذّت الزعامات الطرابلسية قادة المحاور بالمال والسلاح، مُحولة منطقة التبانة إلى أرض بائسة. توقيت غير صائب اختاره فاضل لتقديم استقالته، فأخذت طابعاً طائفياً، من دون أن يتبين كيف سترتد إيجاباً على «التعددية والعيش المشترك». يوضح فاضل لـ «الأخبار» أنّ الانتخابات البلدية «هي حبة الكرز على قالب الحلوة. هناك تراكمات كفشل الإنماء وتعطيل التشريع والتمديد وغياب المحاسبة». يصف الاستقالة بأنها «صرخة لإعادة النظر بالقانون الإنتخابي والحفاظ على التنوع والسلم الأهلي». ويقول إنّ «المشكلة ليست مع الناخبين، فأنا موافق أنها ليست حرب إلغاء ضد المسيحيين. مشكلتي هي مع قانون الانتخابات الذي يُعرض الطرابلسيين كل ست سنوات لفحص دم إن كانوا يريدون التنوع أو لا». لماذا لم يُقدم مشروع قانونٍ انتخابي آخر؟ «قدمت مشروع قانون يعني 250 ألف لبناني للحدّ من الفقر نُوِّم في الأدراج. الأمر نفسه سيتكرر. مع الإشارة إلى أنني من مناصري القانون الانتخابي المختلط ــ الأكثري والنسبي ــ وقلت لحلفائي إنهم مخطئون في عدم تبنيه».
الصديق المُقرّب لآل الحريري، سمع كلاماً من حلفائه السياسيين بأنّ «الاستقالة ما بتفيد». ولكنه لن يتراجع عنها حتى ولو أقفل رئيس مجلس النواب نبيه بري الخط في وجهه، في محاولةٍ لرفض الاستقالة. «أنا اليوم كنائب مش قادر فيدن. ولكن ذلك لا يعني أنني سأتخلى عن البلد بعد الاستقالة».
التراجع السياسي للمسيحيين في طرابلس ليس بالأمر الجديد، في مجلس الـ2004 لم يُنتخبوا أيضاً. إضافة إلى تراجع أعدادهم، كان هناك عوامل عدّة أدّت إلى ذلك. السبب الأول هو تبني قسم منهم لخطاب النائب ميشال عون «الهجومي» تجاه الحريري. أما السبب الثاني فهو خروج المسيحيين من نسيجهم الاجتماعي والتاريخي واختيار نواب من خارج بيئتها، الياس عطالله وسامر سعادة مثالٌ على ذلك.
أسئلة عديدة طُرحت عمّا إذا كان سعادة سيحذو حذو زميله، لكنه بعد استشارة مطران الموارنة جورج بو جودة ورئيس حزبه سامي الجميّل تقرر أنّ «واجباتنا تثبيت المسيحيين بعد صفعتَي خروجهم من البلدية واستقالة فاضل. كما أنها لم تكن معركة ضدّهم». ضميره مرتاح لأنه «منذ الأساس حُيّد النائب الماروني عن تسمية المرشحين. ابن البترون يجدها مناسبة لإعادة طرح نقل المقعد الماروني من طرابلس، «كيف سأبني شبكة العلاقات إذا البيئة لم تكن موجودة، فمثلاً في عام 2009 اقترع 300 ماروني من أصل 1700». رغم ذلك «أتواصل مع هؤلاء القلّة ومع الكنيسة من أجل أن لا يشعروا بأنهم منبوذون».