Site icon IMLebanon

فضيحة الإنترنت غير الشرعي: القضاء “مُتهَم”!

 

 

كتب ايلي الفرزلي في صحيفة “السفير”:

… أما وأن الانتخابات البلدية انتهت، بمعزل عن نتائجها المرشحة للاستمرار في التفاعل حتى إشعار آخر، فإن ملفّات عدة كانت في «إجازة» بدأت تعود الى الضوء، وتستعيد حضورها، وفي طليعتها ملف الانترنت غير الشرعي، معطوفاً عليه التخابر الدولي غير الشرعي.

وإذا كان يمكن فهم حاجة المرتكبين الى لفلفة هذه الفضيحة، فإن ما ليس مفهوما أن يصرّ بعض القضاء على مواجهة أرانب الملف وثعالبه بسرعة السلحفاة، برغم ان المخالفات المرتًكَبة موصوفة وصارخة، وبالتالي باتت تحتاج الى قرارات جريئة وحازمة في التعاطي معها، لا سيما أن التحقيقات أخذت وقتها اللازم.

وأمام الايقاع البارد الذي يتحكّم بحركة القضاء، لا يخفي بعض النواب من أعضاء اللجنة ارتيابهم في دوافع هذا السلوك، معربين عن خشيتهم من أن تكون التدخلات السياسية قد فعلت فعلها، وأفضت إلى «تنزيلات» على عدد الاسماء التي يفترض أن تخضع الى الملاحقة والمساءلة.

الاكتشافات متواصلة في مغارة قطاع الاتصالات. حتى الآن تم الإعلان عن اكتشاف ثلاثة سراديب عميقة. لكن حتى الآن لم يتمكن أحد من الوصول إلى نهايتها. وإذا بقي حال الاهتراء في الدولة ومؤسساتها مستمراً، فإن أحداً لا يمكنه أن يضمن أن ينال أي مجرم جزاءه. وحقاً يقال إنه لولا إصرار لجنة الاتصالات على متابعة القضية، لكانت دُفنت كما دُفن غيرها من الفضائح في أدراج المصالح السياسية والمالية التي تضيق بملفات أغلب المتورطين فيها لهم مواقع وحظوات في السلطة.

لكن برغم تصدي اللجنة للملف وتأكيد رئيسها النائب حسن فضل الله أنها لن تقبل إلا بالخواتيم التي تحمي الدولة وكيانها ومصالحها، فإن فقدان الثقة الشعبية بكل مكونات السلطة لا يزال يطغى على كل ما عداه من تفاؤل، لا بل يضع اللجنة، بوصفها آخر معاقل الدولة، أمام تحدي إثبات جديتها والالتزام بما تعلنه.

وأكد فضل الله لـ «السفير» أنه يتحلى بنَفَس طويل، ولن يتعب من تقفّي أثر كل متورط في ملف الانترنت المخالف، «وإذا كان هناك من يريد الإمعان في اللف والدوران حتى يدوّخني، فأؤكد أنه هو الذي سيدوخ وأنني سأتابع مهمة التنقيب عن الحقيقة حتى النهاية»، آملا في أن تصب جهود كل الجهات المختصة في الاتجاه ذاته.

وأمس، وصل سرداب التخابر الدولي غير الشرعي إلى لجنة الاتصالات، في خطوة تسبق وصوله إلى القضاء المختص. إذ أنجزت وزارة الاتصالات تحقيقاتها الفنية تمهيداً لاستكمال الملف المحال إلى القضاء. وتبين، بحسب حرب أنه ثبت وجود تخابر غير شرعي على الخط رقم 04526000، الخاص بـ «ستوديو فيزيون».

وعلمت «السفير» أنه تم إيقاف هذا الخط لمدة يومين ثم إعيد وصله، فكانت النتيجة انخفاض عدد الاتصالات التي تمر عبره من 4000 مخابرة في اليوم إلى أقل من 50 اتصالاً، وهو ما بيّن بشكل قاطع أنه قبل افتضاح أمر شبكة التخابر، كانت تقوم بعمليات مشبوهة. واللافت للانتباه أيضاً، وفق ما ذكر في لجنة الاتصالات، أن الاتصالات الدولية الشرعية زادت خلال هذين اليومين نحو 5700 مخابرة يومياً.

ويأتي ملف التخابر ليزيد الضغط على القضاء المتهم بالتباطؤ والتأخير في ملف الانترنت غير الشرعي. وإذا كانت للسلطة الثالثة مبرراتها القانونية لهذا التأخير، ولا سيما ما يتعلق بالروتين المتعلق بأصول المحاكمات، والذي يسمح لوكلاء المدعى عليهم غير الموقوفين (22 مدعى عليه في ملف الانترنت غير الشرعي) بالتقدم بدفوع شكلية تتعلق بصحة شكل المحاكمة أو اختصاص المحكمة أو غيرها من الامور التي تستبق استدعاء المدعى عليه لاستجوابه، فإن نواباً توقفوا عند عدم سريان الأمر نفسه على ملف «غوغل كاش» الذي يسير بسرعة تلاقي استحسان البعض وشكوك آخرين.

لم يشارك رئيس «أوجيرو» عبد المنعم يوسف في الجلسة لتفضيل وزير الاتصالات حضور الجلسة من دونه، لكن ملائكته كانت حاضرة. وإذا ارتأى السياسيون أو القضاء محاسبته بجرم هدر المال العام والإخلال بالوظيفة، لأنه وضع «غوغل كاش» عند توفيق حيسو قبل شهرين من موافقة الوزير، وهذا أمر ضروري في حال ثبت تورطه، فإنه من باب أولى أيضاً عدم الاستخفاف بملف الانترنت غير الشرعي الذي يتضمن هدراً مزمناً للمال العام، مرفقاً بشبهات تتعلق بالعلاقة مع إسرائيل، أو على الأقل بالحصول على معدات إسرائيلية الصنع. وهو ما أكده تقرير مخابرات الجيش وتم التأكيد عليه في الجلسة أمس، حيث أوضح ممثل قيادة الجيش أن المعدات التي أدخلت عن طريق المخلص الجمركي (نـ. حـ) مستوردة عبر شركة وسيطة أميركية، وهي معدات تصنّعها شركة «زي إي» الصينية لصالح شركة «سيراغون» الإسرائيلية. والأخطر أن هذه المعدات، التي دخلت إلى لبنان بوصفها مكونات «كومبريسورات»، أزيلت عنها علاماتها التجارية من خارجها، وتبين عند فتحها أن شعار «سيراغون» لا يزال مختوماً على مكوناتها الداخلية.

والبصمات الإسرائيلية لم تظهر في المعدات فقط، إنما في الشركتين المسجلتين في قبرص التركية، اللتين ثبت أن استجرار الانترنت غير الشرعي يتم من خلالهما. ومع إثبات المعنيين أن الأجهزة المكتشفة هي نفسها التي اكتشفت في الباروك في العام 2009 وكانت تستجر الانترنت مباشرة من إسرائيل، فهل يعني ذلك أن ما يجري حالياً هو خطة بديلة بتخطيط إسرائيلي وتنفيذ لبناني؟

بحسب مدعي عام التمييز القاضي سمير حمود، قد يكون من الصعب إثبات ذلك، لسببين أولهما أن المعدات فككت قبل مصادرتها، وثانيهما أنه جرى محو «الداتا» الخاصة بها. وفيما بدا ذلك بمثابة إخفاء متعمد لمعالم الجريمة، سأل الوزير وائل أبو فاعور حمّود «بكل محبة» لماذا لا يحقق القضاء بكيفية تفكيك المعدات؟

والاتهامات للقضاء بالتباطؤ تكررت مراراً في اللجنة، وكادت تؤدي أكثر من مرة إلى انسحاب القاضيين حمود وصقر صقر «بسبب انشغالهما». كما أن الجلسة كادت تنفجر إثر المشادة التي جرت بين النائب معين المرعبي وحمّود، بعد قول المرعبي إن الأخير لم يقدم أي جديد في اللجنة، وكذلك بعد تحميله مسؤولية الملف للجيش. إلا أن الأمور عادت إلى نصابها بعد تدخل فضل الله، الذي أكد أن اللجنة ليست مهمتها مساءلة القضاء لكن من حقها أن تستمع له.

وكان لافتاً للانتباه إعلان صقر، في الجلسة، أنه طلب إذناً لاستجواب الضباط المسؤولين عن المناطق التي ضبطت فيها معدات الانترنت غير الشرعي، وجوبه طلبه بالرفض من قبل المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص.

وقد أعلن فضل الله، بعد الجلسة ما سبق أن أدلى به صقر من معلومات مؤكداً أنه « لو كان المدير العام لقوى الأمن الداخلي موجوداً لكان أجاب على هذه التساؤلات».

وكان فضل الله قد اعتذر عن عدم السماح بمشاركة ضابطين فنيين يمثلان وزارة الداخلية، لأن «من عليه ان يشارك هو الوزير او المدير العام»، على ما كان اتفق مع وزير الداخلية. وأوضح أن هذا الامر طبق على وزارة المالية واعتذرنا من الموظفة من وزارة المالية لأن هذه الجلسة لديها حساسية عاليه وأهمية عالية تتطلب من الحكومة أن تتولى هذا الأمر.

ومساء، أصدرت قوى الأمن بياناً، ردت فيه على فضل الله نفسه، لا على صقر الذي أدلى بالمعلومات في الجلسة، وهو ما بدا مستغرباً من المديرية التي سبق أن برّأت نفسها من أي مسؤولية أو تقصير في ملف الانترنت غير الشرعي. وأعلنت، في بيانها، أنه بنتيجة التحقيقات التي أجراها فرع المعلومات مع الضباط والعناصر المعنيين تبين أنه «لم يترتب عليهم أي مسؤولية فإنها لم توافق على ملاحقتهم امام القضاء».

أما حرب، فكرر، بعد الجلسة، مطالبته بـ «الاستعجال في بت كل جوانب القضية، وإذا كان هناك من مذنبين فليدخلوا السجن، إذ لا يجوز أن يبقى هذا السيف مصلتا على موظفين في الادارة وتبقى القضية عالقة الى مدى طويل».

وفيما طلب حرب ادراج ملف الانترنت غير الشرعي على جدول اعمال الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء، علم ان الرئيس تمام سلام ابلغه ان الامر أصبح متعذرا بسبب توزيع الجدول على الوزراء، مشيرا الى إمكانية ادراجه ضمن بنود الجلسة المقبلة، على الارجح.

وفي موازاة كلام حرب، انتقد نائب في اللجنة طريقة تعاطي وزارة الاتصالات مع «الملف الأسود لأوجيرو»، موضحاً أنه إلى جانب عمل القضاء لا بد أن تقوم الإدارة بواجبها. وأشار إلى أنه لا مجال للشك بأن الهيئة كانت على علم بكل الفضائح التي اكتشفت، والتي تستمر بأشكال مختلفة، منها على سبيل المثال، إيقاف شركات عن العمل برغم عدم تورطها بملف الانترنت غير الشرعي، مقابل تركها الشركات المتورطة تعمل، لا بل زيادة حجم أعمالها من خلال انتقال المشتركين لدى الشركات المقفلة إليها. وسأل النائب: هل من المنطق تجديد عقد «أوجيرو» مرة ثانية؟