يعود مشروع سد جنة إلى العام 2000 ويدخل ضمن الخطة العشرية للمياه التي أعدها المدير العام للموارد المائية والكهربائية فادي قمير، ومن المُفترض أن يخدم السد منطقة جبيل بـ18 مليون متر مكعب، وبيروت بـ20 مليون متر مكعب من الحجم الثابت وبالنسب الإضافية ذاتها من الحجم المتحرك. وأُطلق المشروع في مرحلته الأولى عام 2013 واستغرقت سنة على أن تستمر المرحلة الثانية 3 سنوات ونصف السنة، أي حتى منتصف العام 2017. وهي مدة انتهاء العمل في السد وافتتاحه.
ولكن، “حساب الحقل لم ينطبق على حساب البيدر”، فالعمل في السد، بدءاً من الدراسات مروراً باستملاك الأراضي المحيطة بموقعه والجدوى الإقتصادية، وصولاً إلى الأثر البيئي الذي سيتسببه بناء السد، كل ذلك تفجّر دفعة واحدة ليشكّل كرة نار يتقاذفها وزراء “التغيير والإصلاح” المؤيدون لإقامة السد من جهة، ونواب “تيار المستقبل” وعدد من نواب فريق الرابع عشر من آذار الرافضين إقامة السد من جهة أخرى، مع ما يرافق كل من الفريقين من دعم شعبي وتحركات ميدانية من حين إلى آخر.
بعد نحو 16 عاماً على رسم مشروع سد جنة وبعد 3 سنوات على البدء بتنفيذه وبعد صرف 75 مليون دولار من أصل 300 مليون التي رُصدت له، تحوّل الملف من ملف تنموي يعتمد تنفيذه على تقارير ودراسات علمية وهيدروجيولوجية إلى ملف سياسي عجز مجلس الوزراء عن البت في شأنه.
تسييس ملف سد جنة غيّر بوصلة البحث فحوّلها من البحث بثغراته التقنية، ولاسيما لجهة احتمال حصول تسرب للمياه، إلى البحث في الأثر البيئي للسد وتسببه بقطع الأشجار في وادي جنة، ثم إلى قانونية إشراف مؤسسة مياه بيروت على تنفيذ السد.
ففي حين يصر وزير البيئة محمد المشنوق على أن قطع الأشجار في سد جنة غير شرعي، ويصفها بالجريمة الحرجية التي أوعز على أساسها إلى محافظ جبل لبنان فؤاد فليفل منع أي أعمال في موقع السدّ إلى حين اتخاذ مجلس الوزراء القرار المناسب، يرى رئيس لجنة الأشغال النيابية النائب محمد قباني، في حديث إلى “المدن”، أن المخالفة الأبرز في ملف سد جنة تعود إلى إدارته من قبل مؤسسة مياه بيروت وسحبه من وزارة الطاقة والمياه، ما يستدعي إيقاف العمل في السد.
وإذ يستنكر قباني تسييس ملف السد يصر على التمسّك بتقرير الوكالة الألمانية الرسمية BGR الصادر في 3 حزيران 2012، الذي يُشير إلى أن نسبة تسرّب هائلة سيتسبب بها سد جنة، وهو ما لم يلق أي استحسان من النائب حكمت ديب، الذي يعتبر، في حديثه إلى “المدن”، أن شركة BGR ثبتت عدم صدقيتها ولا يمكن الأخذ بتقريرها، وبالتالي يتمسّك بتقرير شركة ARCELIA التي تؤكد جدوى السد وقدرته على رفد الكميات المنتظرة من المياه والكهرباء. ويقول ديب إنه “لا يمكن الأخذ بتقارير لم تبن على دراسات معمقة وكشوفات واختبارات تقنية، وبما أن تقرير شركة ARCELIA موثوق ودقيق لماذا نذهب إلى البحث بتقارير أخرى؟
وكان مركز الأبحاث الجيوفيزيائية التابع لـ”المجلس الوطني للبحوث العلمية” قد حذّر من مخاطر زلزالية داهمة على سكّان المناطق المجاورة التي “ستزداد بسبب إنشاء سدّ جنّة”. فيما خلص تقرير الشركة الإستشارية الفرنسية العالمية SAFEGE إلى أن الموقع المقترح للسد يتميز بطبيعة جيولوجية وهيدروجيولوجية معقدة لا تناسب إنشاء خزان مائي.
ورغم ذلك، يرى ديب أن “الوزراء باتوا على اطلاع، نوعاً ما، على الدراسات والتقارير”، وبالتالي يمكنهم للبحث في ملف تقني بحت يحتاج إلى خبراء جيوفيزيائيين واختلفت في شأنه شركات عالمية. لكنه يستدرك: “إن القرار سيأخذ منحى سياسياً، ولاسيما أن المشروع يطاول منطقة جبيل”، هامزاً من قناة محاربة البعض مشروع سد جنة لأنه “يخدم المناطق المسيحية”.
بين تضارب الآراء والتقارير يرى الخبير الهيدروجيولوجي فتحي شاتيلا أنه عندما تتم معالجة مشروع سد جنة بطريقة “التسييس والمصالح” وليس بالطرق العلمية يصبح الحديث عقيماً، ويأسف إلى تسليط الضوء على عدد من مخالفات مشروع سد جنة وتجاوز عدم قدرته على تخزين المياه التي هي مهمته الأساسية.
ويؤكد شاتيلا في حديثه إلى “المدن” عدم جدوى السد في شكله وموقعه الحالي “إذ إن نسبة تسرب المياه هائلة وتراوح بين 35 و52%، تبدأ من ارتفاع 800 متر حتى 860 والتسرب الأكبر بين ارتفاع 810 و820 متراً. وبما أن تصميم سد جنه هو لارتفاع 734 متراً كحد أدنى و839 متراً كحد اقصى، يصبح التسرب 100% على ارتفاع يزيد عن 810 أمتار”.
ويشير ذلك الى ان تخزين المياه سيتم، وفق شاتيلا، حتى ارتفاع 810 أمتار فقط ، أي أن التخزين الفعلي لسد جنه سيتراوح بين 7 و8 ملايين متر مكعب فقط وليس 38 مليون متر مكعب كما يشاع.