كتب هيثم الطبش
صحيح أن الانتخابات البلدية انتهت لكن معانيها ستبقى بارزة لتخضع لدراسة أصحاب الشأن في القوى السياسية وخصوصاً تلك التي تحتاج إلى إعادة نظر في مسارها وتصحيح علاقتها مع جمهورها. أشياء كثيرة تغيرت على كل الساحات، وما فعله أشرف ريفي في طرابلس لن يكون عابراً. قد يكون “تيار المستقبل” الخاسر الأكبر بعد هذا الاستحقاق لكن الخسارة يمكن أن تكون أفدح في الاستحقاقات المقبلة إن لم تنشأ محاولة تصحيحية.
بواقعية سياسية يتضح للمتابع أن “تيار المستقبل” خاض هذا الاستحقاق باستراتيجية واحدة قامت على فكرة الاختباء خلف الآخرين في أحلاف ولو غير متجانسة وارتضى الانتقال من كرسي “سائق” الحافلة الانتخابية كما جرت العادة ليكون متعلقاً ببابها أو في أحسن الأحوال راكباً كغيره من الركاب، الشيء الوحيد الدقيق الذي توصلت إليه قيادة التيار هو الاقتناع بأنها لا يمكن أن تكسب معركة تقودها كمافي الماضي.
هذه الاستراتيجية أنتجت فوزاً هزيلاً في بيروت، وظن الذين أوحوا للرئيس سعد الحريري بفكرة التوافق أنها ستنجح في كل مكان لأنهم اعتبروا أن المراحل المتبقية ستكون أسهل من بيروت فكانت النتيجة خسارة في زحلة وتراجعاً في إقليم الخروب وفوزاً في صيدا بدرجة مقبول. أما طرابلس فكانت هزيمة كبرى أمام اللائحة التي دعمها الوزير أشرف ريفي، حتى أن الفرقاء الذين تحالفوا مع “المستقبل” تهامسوا في ما بينهم أن هذا الحلف ربما أدى إلى الخسارة وكان السببب الذي مهّد طريق الفوز أمام ريفي.
في لحظة حقيقية، أثبتت سياسة الاختباء بشعار التوافق عدم جدواها وافتضح أمر”تحالف المتناقضات” عند أول اختبار جدي لأن هذا الخيار ببساطة لا يتماشى مع الشارع الذي سئم من التناولات والمساومات والتسويات والكذب السياسي. ولأن المكان الأفضل والطبيعي للتعبير عن هذا الغضب هو في صناديق الاقتراع فإن النتيجة جاءت عقابية في طرابلس وزاد من قساوتها أنها أتت من شخص هو في صلب الحريرية السياسية وهو لا يتنكر لها أصلاً بل يدعو الرئيس الحريري للعودة إليها.
والواقع أن أصواتاً كثيرة من داخل “المستقبل” أو تدور في فلكه باتت تجاهر بضرورة إجراء عملية نقد ذاتية تمهيداً لإعادة ترتيب البيت على أساس يستوحي نموذج أشرف ريفي من حيث الإتيان بتلك الأصوات الداعية “للعودة إلى الجذور” فعلاً لا قولاً، لأن هذا هو السبيل الوحيد للم ما أمكن قبل الاستحقاق النيابي الذي يبدو أن ظروف إنجازه باتت أقرب من أي وقت مضى. وهذا كله يستوجب خطوات جريئة أولها إجراء مصارحة ومكاشفة مع جمهور التيار والاستماع إلى الأصوات المنادية بالتصحيح بدل أقصائها، أو تعليق النتائج المتواضعة على الحلفاء.
في المقابل، فإن اللواء أشرف ريفي، الذي شكّل حالة فريدة قائمة على مربع أضلاعه الصدق والقرب من الناس والجرأة والتزام الثوابت، بدأ يشكّل حالة تخطت طرابلس من قبل إعلان نتائج الانتخابات فيها.
ويعرف كثيرون أن منزل ريفي شهد قدوم وفود من مختلف المناطق اللبنانية للإعراب عن تضمانها وتأييدها قبل الانتخابات وللتهنئة والدعم بعدها. وريفي مدعو اليوم إلى العمل مع هؤلاء الناس في المناطق كافة بوصفه الممثل الشرعي الوحيد لثوابتهم وطموحاتهم، وهذا ما عبرت عنه عشرات تسجيلات الفيديو التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي.
التغيّر الذي أحدثته النتائج في طرابلس كبير وهو سيمهّد إلى اختلاف في التوازنات الداخلية وسيلقى صدى في موقع صنع القرار في المنطقة، وقد يشهد الشارع اللبناني علامات صدمة جديدة ترتسم على وجوه شخصيات سياسية عديدة تماماً كما حدث ليل 29 أيار 2016، عندما ابتلعهم #تسونامي_أشرف_ريفي.