Site icon IMLebanon

دعوة نصرالله إلى عدم إطلاق النار.. لزوم ما لا “يلتزم”

كتب علي الحسيني في صحيفة “المستقبل”:

ليست المرّة الأولى التي يدعو فيها الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله عناصره ومناصريه وجمهوره إلى الكف عن إطلاق الرصاص بشكل عشوائي خلال المناسبات بعدما أصبح هذا الرصاص يُصيب الآمنين ويوقع قتلى بينهم أطفال في المنازل وعلى الطرق، فقد سبق لنصرالله أن أصدر مجموعة بيانات مماثلة حتّى أنه قال في إحداها “لن يسامح أي شخص يقوم بإطلاق النار في الهواء، فهو كأنه أطلق النار على عباءتي وعمامتي، والله بيني وبينه يوم القيامة”. لكن حتّى هذا النداء لم يلقَ تجاوباً داخل بيئة الحزب.

ويعود الجدل في لبنان بين حين وآخر بشأن مشكلة السلاح المتفلت كلما سقطت ضحية جديدة، بعدما أصبح استخدامه شائعاً في المآتم والأعراس والاحتفالات السياسية والمشادات بين المواطنين. وكثيراً ما يُقتل مواطنون أو يُجرحون لأسباب تافهة، مثل الخلاف على أولوية المرور بالسيارة تماماً كما حصل مع المواطن وسام ادوارد كرم الذي أصيب في رجله بعدما أطلق السائق الآخر رصاصة على رجله، ما أدى الى إصابته اصابة بالغة نقل على أثرها الى مستشفى سيدة لبنان، من دون إغفال الشاب وسام بليق الذي قتل نتيجة مشاحنة بين شخصين كان السلاح المتفلت ثالثهما.

بعد اعتراضاتهم المتكررة على ظاهرة إطلاق الرصاص العشوائي في كل مرّة يطل فيها نصرالله، والذي يستهدف أرواحهم وأرواح أبنائهم وآخرهم الطفل حسن حسين خير الدين (11 عاماً)، توجه أهالي الضاحية الجنوبية منذ أسبوعين برسالة الى قيادة الحزب طالبوا فيها بمتابعة هذه الظاهرة بشكل حثيث وعدم الاكتفاء بالدعوات، وبرفع اليد عن مُطلقي الرصاص وترك القوى الأمنية تقوم بعملها من دون أي ضغوط أو حماية لهم أو إيوائهم.

وقد أصدر نصرالله أمس تعميماً داخلياً للحزب قال فيه: “تعلمون أن إطلاق النار في الهواء وفي المناسبات وبما يؤدي إليه من أضرار، هو عمل محرّم بحسب فتوى سماحة السيد القائد والمراجع الكبار”، لافتاً إلى أن “الأمر بات مسيئاً جداً لمسيرة ومقامة الحزب وشهدائه”.

وتابع: “تكلّمنا كثيراً في الموضوع لكنه الآن يتّجه الى إجراءات تنظيمية حاسمة، وحين لا ينفع التذكير والوعظ، لا بد من عقوبات قاسية قد تصل الى الفصل الكامل من تشكيلات حزب الله وبلا تعويض أيضاً”، داعياً إلى “اعتبار هذا التعميم بمثابة التذكير الأخير. وأن يخاف الله في نفسه وفينا كل من يترك هذا العمل المحرّم من إخواننا”.

تهديد نصرالله بأخذ تدابير بحق العناصر غير المنضبطة بالطرد من دون تعويض مادي يمكن وضعه ضمن خانتين: الأولى أن العنصر غير المنضبط والذي يُمكن أن يُفصل من الحزب، هو حتماً سيلجأ إلى “سرايا المقاومة” ويحتمي بها خصوصاً أن لا شروط محددة للانتساب اليها على عكس الشروط الصعبة والمعقدة التي تتطلبها عملية الانتساب الى “التعبئة العامة” في “حزب الله”. وفي هذه الحالة سوف يتمكن العنصر المفصول من ارتكاب الأفعال الجرمية بشكل يفوق ممارساته السابقة وهذه المرة بحماية “السرايا” و”حزب الله” على حد سواء.

أمّا في الثانية، فإن “حزب الله” يمكن أن يتبرّأ من العنصر المفصول الذي يرتكب الجرم ومن جرمه، وبالتالي عدم تسليمه للدولة على غرار ما حصل مع العنصر في “السرايا” حسين الهواري قاتل الشاب وسام الذي فرّ إلى جهة مجهولة. ومن المعروف أن للحزب نصيباً وافراً من عمليات إطلاق الرصاص العشوائي، سواء في الأفراح أو الأتراح وخصوصاً بعد انغماسه في الحرب السورية إذ بالكاد تمر مناسبة تشييع لأحد عناصره من دون أن يسقط خلالها ضحايا وغالباً ما يكون هؤلاء من الأطفال، وهذا ما يدعو إلى الحيرة أو حتّى التساؤل عن مغزى الدعوات المُتكرّرة للسيد نصرالله بعدم إطلاق الرصاص العشوائي.

من المؤكد أن حالة الفوضى سوف تستمر في الضاحية الجنوبية في ظل غياب حالة “اللا قانون”، وفي كل مرّة سيطل فيها نصرالله سيعمد كثيرون إلى إطلاق الرصاص العشوائي طالما أن الدولة غائبة عن هذه البقعة الجغرافية وطالما أن الجهة الحزبية المُسيطرة على الوضع هناك، تتعامل في الأمن ضمن معيار صيف وشتاء تحت سقف واحد، تماماً كما في السياسة. ولذلك يرى سُكّان الضاحية أن الحزم في هذا الموضوع لا يكون في البيانات ولا في الشعارات ولا حتّى في الدعاية الإعلامية التي تقوم قناة “المنار” ببثها، فالمطلوب برأي الأهالي تسليم زمام المبادرة إلى الدولة وتركها تقوم بواجبها من دون أي تدخلات حزبية. وفي الضاحية الجنوبية رأي يقول، إن عدم التزام الناس يعود الى الحالة النفسية الصعبة التي تُرافقهم منذ سنتين تقريباً خصوصاً بعدما أصبحوا يرون في كل يوم، كيف تمر جثامين أولادهم أمامهم.