أكد سفير لبنان في مكسيكو الدكتور هشام حمدان أن مجلس الوزراء سيبحث اليوم في طلبه بالتقاعد المبكر من وزارة الخارجية، مؤكدا أن “مشكلته مع وزير الخارجية جبران باسيل ليست شخصية ولا سياسية ولا طائفية ولا آنية بل هي مشكلة مفاهيم وطنية متصلة بانتهاك الوزير لمبادىء العمل الديبلوماسي”.
وفي ما يلي نص الكتاب الذي وجهه السفير حمدان الى رئيس مجلس الوزراء تمام سلام والوزراء:
قدمت بتاريخ 15 أيار 2016 طلبا عبر وزارة الخارجية لاحالتي على التقاعد المبكر وانهاء مهامي في السلك الخارجي، بعد مرور أكثر من اربعين عاما على عملي في السلك والادارة العامة. وقد جاء هذا الطلب اثر المشادة الكلامية بيني وبين وزير الخارجية المهندس جبران باسيل خلال اللقاء الدبلوماسي الذي عقد في فندق لارويال الضبيه يومي 3 و4 ايار الجاري.
وإني أتشرف أن أضع بين أيدي دولتكم وأيدي أصحاب المعالي الوزراء الأسباب الموجبة التي دفعتني الى القيام بهذه الخطوة، طالبا حماية كرامتي كموظف في الادارة اللبنانية بذل اكثر من أربعين عاما في العمل لخدمة لبنان والدفاع عن قضاياه ولحماية نظام العمل للادارة اللبنانية والمساهمة في حماية مؤسسات الدولة وابراز الوجه الحضاري للبنان.
وأود أن أؤكد بداية، أن مشكلتي مع الوزير باسيل ليست شخصية ولا سياسية ولا طائفية ولا آنية بل هي مشكلة مفاهيم وطنية متصلة بانتهاك الوزير لمبادىء العمل الدبلوماسي وأصول التعامل معي كسفير مفوض مطلق الصلاحية ورئيس لبعثة لبنان في المكسيك حيث خلق لي مركز قوة في السفارة وجعلها جناحين وبعثتين في بعثة من خلال تمسكه ودفاعه عن سكرتير السفارة في وجهي متجاهلا موقعي وصلاحياتي مما أضر بصورة السفارة ودورها في هذا البلد الصديق. كما منعني من القيام بمهامي لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين بل أفشل الكثير من المشاريع التي قمت بها ليس اقلها تحويل مبنى سفارة لبنان في المكسيك الى متحف لبناني يحكي تاريخ الحضارة اللبنانية ويشكل حافزا فريدا لاستعادة الجالية اللبنانية الى الوطن الأم.
لقد التزمت دائما حدود النظام العام للوزارة لجهة التعبير من خلال الاطر الادارية المباشرة عن شكواي وأسبابها وكذلك عن آرائي التي رأيتها مفيدة لتحقيق الاهداف المرجوة من الدبلوماسية اللبنانية في المكسيك بما في ذلك تلك المبادىء وأسلوب العمل الذي يحقق استعادة المغترب في اميركا اللاتينية والذي هو في معظمه من الطوائف المسيحية ومن الدروز. لكن الوزير تعامل مع واقع الانقسام في السفارة ومع أفكاري وآرائي من منطلق موقعه ومصالحه السياسية كمسؤول في تيار سياسي يريد من كل موظف ودبلوماسي في الوزارة خدمة هذه المصالح بدلا من أن يتفاعل مع مراسلاتي من منطلق موقعه كوزير للخارجية يفترض أن يكون فوق المصالح السياسية والفئوية للاحزاب والطوائف، ويفترض بالتالي أن يقرأ الشكاوى والمراسلات خارج الاطر السياسية الخاصة به ومن موقع المسؤول عن حماية النظام الديبلوماسي وحماية دوري كسفير رئيس البعثة اقدم قراءاتي وتقاريري ومراجعاتي بما أراه مصلحة لبنان ومصلحة العمل في هذه السفارة لا غير.
لقد دفعت ثمنا باهظا لعنادي في الدفاع عن سفارتي وصلاحياتي وكذلك لكتابتي هذه المواقف والآراء التي لم تعجب معاليه بصفته السياسية فتعامل معي بشكل ظالم وحاقد وصلت ليس فقط الى حد تقديم الدعم المطلق لسكرتير في السفارة في وجهي وتعزيز بالتالي الانقسام والازدواجية في السفارة بل الى استغلال مواقف وجوه محلية ادعى الوزير انها اشتكت علي متبنيا موقفها ورافضا بحث تلك الشكاوى التي يدعيها بما يخدم مسيرة العمل المؤسساتي والوطني للسفارة.
إن اسباب انفعالي في وجه الوزير باسيل خلال المؤتمر لا يتصل فقط بالطريقة التحقيرية التي عاملني بها حين كانت امارس حقي بالكلام كسائر الحاضرين، والتي هي طريقته في التعامل مع كل سفير ورئيس بعثة لا يماشيه في افكاره وأغراضه، بل هو هذا الاحتقان القائم في العلاقة بيننا وذلك التحقير اليومي لي أمام الجالية والمسؤولين والسفراء عربا وأجانب الذين كانوا يراقبون هذه الحالة الفريدة من التباعد بيني وبين الثاني واصرار هذا السكرتير على لعب دور القيادي بالنظر للدعم المطلق له من الوزير بالاضافة الى تجاهل الادارة مطالبي واقتراحاتي مما ضرب مصداقيتي أمام السلطات الفدرالية والاقاليمية. هذا اضافة الى المعاملة التمييزية التي عانيتها من ادارة اختارت مسايرة الوزير على حسابي وملاحقتي بالتأنيب والحرمان من ابسط وسائل العمل الضروري لتحقيق مهمتي. ولم يشأ الوزير ابقاء حقده ضدي مستورا بل عمد الى تفجير نقمته علي أمام الزملاء باستخدام وسيلة مخابراتية يستخدمها الغرب واسرائيل تعتمد توجيه اتهامات قاسية الى الضحية لتعريته من حسناته ومنع التعاطف معه حين مهاجمته فوجه الي اتهامات مباشرة أمام المحفل الدبلوماسي تصيب مبادئي والقيم التي أحملها وحمتلها طوال عملي في الوزارة والادارة.
فالوزير باسيل اتهمني باني “غصن يابس” في وقت يعرف فيه القاصي والداني المهتم عن نشاطي في خدمة الديبلوماسية اللبنانية ولبنان. وقد تلقيت أكثر من تهنئة بشأن عملي من وزراء للخارجية سابقين بما في ذلك من الوزير جان عبيد والوزير الشامي. ان مثل هذا الاتهام كان هدفه أن يسرق مني أمام الرأي العام كل ما قمت به من جهود جبارة لخدمة صورة الوطن. واني اتساءل كمثال فقط كم سفير آخر مثلي نشر ثمانية كتب للتعريف بلبنان وحقوقه؟ وكم سفير نشر مجلة عن زيارة الوزير باسيل نفسه رغم كل ما أعانيه منه الى الدولة المعتمد فيها احتراما مني لمقامه أمام الرأي العام المكسيكي ولتوثيق تلك الزيارة؟ وهذه المجلة ستبرز في اي معرض تقيمه الخارجية هنا عن العلاقات الثنائية ولو بعد مئة سنة.
كما أن باسيل اتهمني علنا بأني اقمت سفارات منعزلة عن الجالية سواء خلال عملي في الارجنتين بين ايلول 2000 وشباط 2013 أو في المكسيك التي بدأت مهمتي فيها في آذار 2013 على الرغم أن الجميع في الوزارة يعلم كيف أني جلت أرجاء البلدين وعلى حسابي الشخصي في أحيان كثيرة، من الزاوية الى الزاوية بحثا عن ابناء الجالية. وثمة عشرات الوثائق التي تثبت كلامي علما اني تلقيت كتاب تهنئة من المدير العام للمغتربين لجهودي هذه.
ولا اخفي غضبي الشديد ازاء هذا الاتهام الاخير بل انه الشعرة التي قصمت ظهر البعير لان هذا الاتهام يناقض كل ما قمت به منذ العام 1978 عندما بدأت عملي الدبلوماسي وحتى تاريخه بغية تقديم نفسي من خلال العمل اليومي كنموذج دبلوماسي ووطني يؤمن اولا بلبنان ولا يفرق بتاتا بين اللبنانيين وأني فوق الطوائف. انا ابن عائلة تمرست بالوطنية ولا استطيع تحمل مثل هذا الاتهام الظالم. نموذجي في حياتي كبار مثل غاندي ومانديلا وكمال جنبلاط ورفيق الحريري. كما أن هذا الاتهام يوحي باني امتنعت عن التفاعل مع الجاليات في هذين البلدين لاني غير مسيحي وتحديدا لأني درزي الأمر الذي له آثار ضارة جدا بل وخطيرة لاسيما واني من الجبل وتحديدا من الشحار الغربي الذي مر كما هو معروف، بتجربة مريرة وبحيث تصورني كاني اتعامل بانتقام وبتحد لكل ما اتفقت عليه القيادات الدرزية والمسيحية منذ زيارة البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير الى المختارة وزيارة البطريرك الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي الأخيرة الى الشحار.
لقد وجه الوزير إلي أيضا اتهامات بوجود شكاوى ضدي مسميا المطران جورج ابي يونس راعي الكنيسة المارونية في المكسيك (وهو من حمانا) وابناء من الجالية بانهم هم الذين وجهوا هذه الاتهامات ضدي. وكنت استمعت لمثل هذا الاتهام من الوزير سابقا في شباط 2015 خلال زيارته الرسمية للمكسيك. وقد طالبته في حينه وطالبت المسؤولين في الوزارة لاحقا ومرارا وتكرارا تفعيل هيئة التفتيش في الوزارة للتحقيق في هذه الشكاوى. فانا مصر ومن خلال المبادئ التي احافظ عليها في اطار وظيفتي، على ضرورة المحاسبة الشفافة للموظف المسؤول فاذا كنت مخطئا وجب مساءلتي وان كنت مظلوما وجب حمايتي. فلم يفعل وكرر هذه التهمة أخيرا امام الملأ خلال اللقاء الديبلوماسي مما اثار غضبي ايضا علما أن ما اسمعه حاليا من المطران وابناء الجالية يخالف هذا الأمر اذ يحمل الثناء والتقدير للجهود التي اقوم بها.
إني مدرك لمواقف المطران ومن حوله من بضعة افراد من الجالية فقد عانيت من هذه المواقف منذ استلام مهمتي الا أني امتنعت عن اثارة هذا الأمر علنية بل واجهت المطران مباشرة بما لمسته منه ونقلت الأمر بوضوح وشفافية الى الوزير والى غبطة البطريرك مصرا على رفض اية ايحاءات مذهبية او طائفية بل اني ذهبت الى وضع قبل شهور من مشادتي مع الوزير، استقالتي من السلك بأيدي غبطة البطريرك اذا ما تبين اني مخطىء في تعاملي مع سيادة المطران. لقد تحملت بمرارة الشخصانية التي غلبت البعض بما في ذلك المطران فلم يتقبلوا اصراري على استعادة دور السفارة كواجهة العمل لبناء العلاقات الثنائية مع المكسيك بل ارادوا أن تظل السفارة ملحقا تحت جناحهم الأمر الذي يناقض جهود كل الوطنيين بما في ذلك الكنيسة والقادة المسيحيين باستعادة دور الدولة ومؤسساتها. وهم دعموا الشخص الثاني الماروني في وجهي الأمر الذي ساهم بتعزيز الاندفاعة السياسية الخاصة للوزير وخلق ازدواجية في السفارة واضعافها. وقد سكت ابتداء من اوائل العام 2016 ولو على مضض على الواقع القائم في السفارة تجاوبا مع نصائح لي ومنعا لتصادم مع سيادة المطران يمكن ان يفسر بانه طائفي ولامتصاص المشاكل مع الوزير والوزارة وكذلك لعدم ازعاج المسؤولين بالشكوى الدائمة. لكن وكما يقول المثل بالعامية: ” رضي القتيل ولم يرض القاتل”.
دولة الرئيس، آمل أن يتغلب الشعور بالمسؤولية الوطنية لكل معني ومسؤول عند بحث هذه الحادثة الفريدة في الحياة الدبلوماسية. وأنا اتخذت قراراي بمغادرة الوزارة لكي لا أتحمل عقوبة لعمل قمت به غصبا عن ارادتي وكي لا يكون انفعالي سابقة تتكرر، مؤكدا اعتذاري منكم ومن اعضاء الحكومة ومن زملائي في الادارة لما حدث. واني اتطلع الى موقف يحمل العدالة بحيث لا يبقى سكرتير السفارة هنا لأن ذلك سيخلق توترات وسابقة مريرة في تاريخنا الدبلوماسي. وأتمنى من أعماقي أن تبدأ هذه السفارة مرحلة جديدة مع وجوه جديدة تنسي الجالية والرأي العام المكسيكي ما حصل وتبقي الديبلوماسية اللبنانية حصنا كريما.