كتب طارق شرارة في صحيفة “الجمهورية”:
في إطار تشديد الرّصد للحيويّات التنظيمية المختلفة الأوجه التي يُحاول تنظيم «داعش» إنشاءَها في لبنان والمشتملة على إعادة بلوَرة منظومة قيادته لتصبح منقادة من «مجلس مصغّر» بدلاً من أن تكون منقادة من أمير واحد، وأيضاً زرع خلايا نائمة في كلّ المناطق اللبنانية، وذلك بأسلوب إغراق الساحة اللبنانية بهم، تتوقّف المصادر المتابعة لهذه الحيويّات عند معطيات أساسية بوصفها تُقدّم أقربَ صورة متوافرة لخريطة وجود «داعش» في لبنان في هذه المرحلة.تُسلّط «الجمهورية» ضمن هذه الصورة الضوء على ساحة داخل لبنان تعتبرها «داعش» هي الأهمّ بالإضافة إلى عرسال، وتتمثل في ساحة مخيم عين الحلوة.
وتؤكد أحدث المعطيات المتوافرة عن «داعش» في عين الحلوة خلاصة جوهرية، قوامها يتم التعبير عنه اصطلاحاً بـ«تعثّر محاولة «داعش» إنشاءَ تنظيم مستقل لها في مخيم عين الحلوة».
وهي محاولة كانت بدأت المعلومات بشأنها تتراكم منذ أشهر عدة. وجاء في أبرزها حينها أنّ «داعش» أرسلت من سوريا عدداً من «جهادييها» من جنسيات فلسطينية وعربية أخرى الى داخل مخيم عين الحلوة، وهدفها إنشاء تنظيم مستقل لها فيه.
وحينها حصل تضارب في المعلومات حيث أفادت مصادر امنية أنّ «داعش» تركّز على الانتشار في جوار عين الحلوة اللبناني أكثر مما تركّز على الحضور داخله.
وبغَضّ النظر عن التباين الذي طرأ حينها في شأن تحديد الأولوية التي تريد «داعش» تحقيقها من خلال وجودها في منطقة صيدا؛ أهي تريد السيطرة على مخيم عين الحلوة أم على محيطه اللبناني، فإنّ الأمر الذي جرى التأكّد منه هو أنّ قيادة «داعش» في الرقة اتّخذت منذ ذاك الوقت قراراً ببناء تنظيم مستقل لها في مخيم عين الحلوة.
لقد مضى حتى الآن على اتخاذ قيادة «داعش» هذا القرار اكثر من اربعة اشهر. غير أنّ المتابعات المختصة بتشخيص ما وصل اليه مشروع تنفيذ هذا القرار على ارض الواقع في المخيم، توضح أنّه يواجه تعثّراً ملحوظاً، حيث عجزَت «داعش» حتى هذه اللحظة عن تجاوز واقع أنّها حالة هامشية فيه الى حالة لها حضورها الوازن أو حتى الملحوظ في مقابل «النصرة» مثلاً، داخل معادلة القوى الإسلامية المتّصفة بأنها تكفيرية في المخيم.
تقول المعطيات المتصلة بهذا الأمر، إنّ «جبهة النصرة» لا تزال تحتفظ بحضورها الأقوى داخل بيئة المجموعات التكفيرية الإسلامية المتطرفة في المخيم، وهي نجَحت في أن تجذب اليها بقايا «فتح الإسلام» و«جند الشام» ومجموعات اخرى كانت انتظمت منذ اكثر من عام ضمن ائتلاف أسمته «الشباب المسلم» بزعامة الأمير أسامة الشهابي. وتجدر الاشارة الى انّ ظهور هذه المجموعات في عين الحلوة سبقَ زمنياً ظهور «جبهة النصرة» في سوريا.
وأبرز هذه المجموعات التي جذبتها «النصرة» اليها في عين الحلوة هي:
– مجموعة أسامة الشهابي وتتألف من نحو 30 عنصراً، وتنتشر في أحياء الطيري والصفصاف وقسم من حي حطين. وهي تبايع «جبهة النصرة».
– مجموعة بلال بدر، وتضمّ خمسين عنصراً يمتازون بأنهم صغار في السن، وولاؤها أيضاً لا يزال لـ»جبهة النصرة» وأميرها ابو محمد الجولاني.
– مجموعة هيثم الشعبي وتتكوّن من أربعين عنصراً وتتبع «النصرة».
ووفق التصنيف الامني، يُعتبر بلال بدر هو الارهابي الاخطر من بين جميع أمراء المجموعات المنتمية عقائدياً لـ»النصرة» في مخيّم عين الحلوة.
وبحسب المعطيات عينها، فإنّ وجود «داعش» في المخيم حقّق خلال الفترة القليلة الماضية تقدّماً ملموساً على رغم أنه لم يتّسم بحيوية سريعة كما راهنت قيادة الرقة.
وفي كل الأحوال فإنّ دخول «داعش» الى المخيّم أثّر بعض الشيء في اتجاه إحداث عملية تبديل قناعات وإعادة تموضع فوق خريطة البيئة الصلبة للمجموعة المتطرفة الموجودة في المخيم منذ نهايات تسعينات القرن الماضي والتي هي من سلالات «فتح الإسلام» و»جند الشام» وتنظيم «القاعدة».
ولا شك في أنّ نزوح الآلاف من فلسطينيّي مخيم اليرموك في دمشق الى عين الحلوة ساهم في جعل رموز بيئة ائتلاف «الشباب المسلم» تذهب إلى حسم خياراتها العقائدية على أساس التأثر بالصراع بين «النصرة» و«داعش» في سوريا، بعدما كانت قبل العام 2011 تتأثر بصراع الاتجاهات السائد داخل التنظيم الدولي لـ«القاعدة».
وبموجب هذا المستجد بدأت أخيراً عملية فرز «عقائدي» داخل بيئة رموز وأمراء مجموعات ما بات يُعرف بتنظيم «الشباب المسلم»، وذلك وفق اتجاهين أو خيارَين أساسيّين، وهما الانحياز لأحد قطبَي صراع «التيار الجهادي السلفي التكفيري» العارم في سوريا والعراق: أبو محمد الجولاني أو ابو بكر البغدادي.
حتى اللحظة، لا تزال «جبهة النصرة» المنقادة من الجولاني تحافظ على الحضور الاقوى داخل البيئة السلفية التكفيرية الموجودة في مخيم عين الحلوة. ويحدث ذلك على رغم أنّ «داعش» نجحت في تقويض قوة «النصرة» التي تحالفت مع بقايا «حماس» (كتائب بيت المقدس) في مخيم اليرموك أكبر مخيمات اللجوء الفلسطيني في سوريا.
ويهمّ «النصرة» أن لا تكرّ سبحة نجاح «داعش» في إخراجها من البيئات الفلسطينية اللاجئة في سوريا، لتصل مفاعيلها العملية الى مخيمات الفلسطينيين في لبنان، ولذلك فهي تبذل قصارى جهدها لإبقاء «داعش» محاصَرة ومعزولة في عين الحلوة المعتبَر أكبرَ مخيمات اللجوء الفلسطيني في لبنان، وأيضاً إبقائها بعيدة عن هدفها الخاص إنشاء تنظيمها المستقل والقادر في المخيم.
الى اين وصَلت «داعش» حتى الآن في مشروعها لبناء تنظيم مستقل لها في عين الحلوة؟
تفيد معلومات خاصة «الجمهورية»، أنّ الأشهر الماضية التي اتّسَمت بمحاولات بناء تنظيم لـ«داعش» في المخيم، لم تسفِر عن نتائج سريعة أو دراماتيكية، ونجحت «داعش» خلالها في تحقيق الآتي:
أوّلاً – إنشاء بنية تنظيمية ضيقة، قوامها مجموعتان أساسيتان ولكن أعدادهما صغيرة. المجموعة الأولى منقادة من محمد الشعبي، والثانية من جمال الرميد.
ثانياً – سمّت «داعش» مشرفاً عسكرياً عامّاً لها في مخيم عين الحلوة، هو هلال هلال. والخطوة الثالثة التي نجحت «داعش» في تحقيقها تمثلت في أنها خلقت نوعاً من النقاش بين رموز المجموعات التكفيرية في المخيم عنوانه المفاضلة بين «داعش» و«النصرة»، وأسفرت هذه العملية عن انتقال عدد محدود من الرموز من «النصرة» الى «داعش»، وفي ظهور توجه لدى بعض الرموز الإرهابية المهمة المعروفة في المخيم ليصبحوا أقرب الى «داعش» منهم الى «النصرة». وأبرز هؤلاء هما توفيق طه ورائد جوهر.
مراحل توَجّه «داعش» لاختراق عين الحلوة
ليست هذه المرة الاولى التي تحاول فيها «داعش» اختراق النسيج الاجتماعي والسياسي الفلسطيني في مخيم عين الحلوة. أولى المحاولات حصلت أوائل أيلول العام 2014، ويعود الفضل فيها الى القيادي في تنظيم الدولة الاسلامية المدعو محمد الايعالي، الملقب بـ«أبو براء اللبناني» (لبناني من مواليد العام 1989) الذي حمّل حينها زياد كعوش القادم من الرقة مقرّ ايوب العراقي مسؤول لبنان، خطة لاختراق كلّ المخيمات الفلسطينية في لبنان، وأبرز بنودها إنشاء هيئة استشارية مهمّتها التنسيق بين كلّ مجموعات «داعش» فيها.
ثمّ لاحقاً طوّر هذه الخطة المدعوّ علي جوهر الملقّب بـ«أبو الزبير» (شقيق عبد الغني جوهر) وذلك في اتجاه إنشاء غرفة عمليات موحّدة لـ»داعش» تدير من خلالها خلاياها في عين الحلوة وبرج البراجنة وغيرهما.
تَجدر الإشارة الى أنّ هذه المحاولات اصطدمت بيقظة الأجهزة الأمنية اللبنانية التي نجحت في تفكيكها باكراً. ويُعتبر مشروع «داعش» المولود منذ اشهر لإنشاء تنظيم مستقلّ لها في عين الحلوة هو الاحدث، ولكنّه حتى الآن يواجه تعثّراً لأسباب عديدة، بينها محاولة «جبهة النصرة» إعاقة توجّه «داعش» لإخراجها من المخيم على نحو ما فعلت في مخيم اليرموك، إضافةً إلى أسباب أخرى كثيرة تظلّ أجهزة الأمن اللبناني غيرَ غائبة عنها.