يشعر معظم سائقي الراليات اللبنانيين، حالياً وسابقاً، بالظلم لعدم حيازتهم «فرصة عادلة» لمنافسة أقرانهم العرب والأجانب، بسبب غياب الرعاية والدعم الضروريين في هذه الرياضات الميكانيكية. ففي لبنان، لم يعد رعاة سباقات السيارات يولون رياضة المحركات أهمية كبرى، كما في ثمانينيات القرن الماضي، عندما كانت شركة فيليب موريس، مثلاً، تغطي كامل تكاليف السباقات. اليوم، تعدّ «توتال» و»ريدبول» و»يوكوهاما» من أبرز الرعاة لهذه الرياضة محلياً (مع دعم بسيط من شركات أخرى). أما وكلاء السيارات، المعنيون الأبرز، فغائبون عن ميادين السباقات
إيفون صعيبي
سباقات السيارات من أكثر أنواع الرياضات كلفة لما تتطلبه من إنفاق ضخم لتوفير الأجهزة الفنية المطلوبة، واستخدام التقنيات اللازمة، إضافة إلى الطواقم البشرية. وهي، في لبنان، تزخر بمواهب حققت نتائج مميزة وأثبتت قدرتها على مجاراة السائقين العالميين. لكن ما يحتاجه هؤلاء هو الدعم المادي والمعنوي. فغالبية السائقين يتكبّدون مصاريفهم من جيوبهم الخاصة. ويزيد الأمور سوءاً تراجع دعم الشركات لهذه الرياضات في ظل صعوبة الأوضاع الاقتصادية.
وإذا كان إحراز لقب رالي لبنان 12 مرة، ولقب رالي أنتيب ـــ فرنسا العام الماضي (والمركز الثاني هذا العام)، و14 لقب ضمن بطولة الأردن للراليات، وغيرها من النتائج اللامعة، لم تجتذب ما يكفي من المعلنين والداعمين لواحد من أبطال السباقات كروجيه فغالي، فهذا يعني أنه سيكون مستحيلاً على السائقين الآخرين، خصوصاً الصاعدين، رسم طريقٍ لمسيرةٍ طويلة تتخللها مشاركة منتظمة في بطولة الشرق الأوسط وبعض السباقات العالمية الضرورية لاكتساب الخبرة اللازمة لكل سائق محترف.
ويؤكد عددٌ من السائقين أنه لدى وصولهم إلى العجز عن توفير المصاريف من جيبهم الخاص، تنتهي مسيرتهم في الراليات في لبنان. إذ إن غالبيتهم الساحقة تعتمد على رعاية عائلية أو على معلنين أصدقاء لتوفير جزء من تكاليف السباق، حيث تراوح كلفة استئجار سيارة للمشاركة في الرالي ما لا يقل عن 70 ألف دولار، وإذا أراد السائق اعتماد سيارة أكثر تطوراً فقد يصل المبلغ إلى 150 ألفاً.
نهاية طريق
السائق روبير أعرج الذي لم يتمكن من المشاركة في رالي الربيع قبل أشهر، يلفت إلى أن «الرعاية بالكاد تغطي نصف المصاريف التي نتكبدها، وتصل إلى 75 ألف دولار. للأسف، نظرة على سيارات السائقين الذين شاركوا في رالي الربيع الأخير تبيّن أن سياراتهم تفتقر إلى الرعاة، وأن غالبية الرعاية كانت عائلية». ويتابع: «منذ 2010 لم أتغيب عن أي حدث محلي متعلق برياضة السيارات. هذا العام اختلف المشهد منذ بداية الموسم، فلم أتمكن من المشاركة في أول حدث نظمه النادي اللبناني للسيارات والسياحة بسبب عدم توفير الرعاية الضرورية، علماً أنني أحرزت 7 ألقاب حتى اليوم. هذا الواقع يدفع إلى التساؤل عن مستقبل الشباب الصاعدين في هذه الرياضة إن لم يكونوا ميسورين مادياً».
السائق الشاب نيكولا أميوني الذي أحرز لقب رالي لبنان عام 2014، يشير إلى أن مشاركته العام الماضي اقتصرت على رالي لبنان فقط، فيما غاب عن الموسم بأكمله. ورغم إحرازه لقب رالي لبنان، لم يحظ بالرعاية والدعم المادي الكافيين، لذلك بات يفضل المشاركة في البطولات الخارجية على المحلية. ويوضح: «الاهتمام برياضة السيارات تراجع كثيراً في الآونة الأخيرة، وآمل أن تتحسن الأوضاع إلى حدٍّ ما، بعد أن نالت إحدى القنوات التلفزيونية حصرية نقل الراليات في الموسم الحالي، لأن اهتمام الشركات بهذه الرياضة متعلق بالنقل التلفزيوني والدعاية التي ستحظى بها مقابل رعايتها للسائقين».
تحسّن مأمول
في عالم الرياضة الميكانيكية، كلما كانت ميزانية الدعم أكبر، تمكن السائق المشارك من تحسين سيارته، وبالتالي تحقيق نتائج أفضل. مثال ذلك تحسّن النتائج التي حققها السائقان عبدو فغالي وتامر غندور بعدما تحسن الدعم المقدَّم لهما. وبحسب بعض الخبراء في هذا المجال، فإن ثقافة الراليات موجودة أصلاً لدى اللبنانيين، لكن ما ينقصها التطوير وأن تصل بالشكل المطلوب. فكيفية الترويج للحدث هي الأهم لتوفير الرعاية للسائقين. ومن الأمور اللافتة، والطريفة، ما يجري في رالي داكار مثلاً، حيث يحظى الفائز بما لا يقل عن 10 دقائق لشكر الداعمين والرعاة. أما الفرق المتأخرة، فتحظى بوقت أطول، باعتبار أنها في حاجة إلى الرعاية أكثر من الفرق الفائزة. وهذا ما يفتقده لبنان حيث يقتصر الاهتمام على من يحققون المراتب الأولى.
بطل السباقات روجيه فغالي يقول: «في السنوات القليلة الماضية تراجع في شكل لافت اهتمام الشركات الداعمة، ولا سيما وكلاء السيارات، وهم المعنيون المباشرون بالرياضة الميكانيكية. ولكن مع عودة النقل التلفزيوني المباشر للراليات والضجة الإعلامية لهذه الرياضة، لا بدّ أن يعود العصر الذهبي لرياضة السيارات في لبنان، التي تُعَدّ الأفضل في الشرق الأوسط».
وفي ما يتعلق بالمشاركات اللبنانية في الخارج، وخاصة في بطولة الشرق الأوسط، يشير فغالي إلى «أن الشركات اللبنانية غير مهتمة برعاية الموسم محلياً، فما بالك بالمشاركات الشرق أوسطية. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الشركات الخليجية التي تعطي الأفضلية للسائقين الخليجيين. في بطولة الشرق الأوسط نلاحظ أن الدول هي التي تدعم سائقيها، أكان في بطولة أبو ظبي أم دبي أم قطر. أما في لبنان، فالجهود فردية بحت. وهذه الجهود هي التي ارتقت بها إلى ما وصلت إليه على مستوى الشرق الأوسط والعالم في غياب سياسة رياضية وطنية واضحة».
الشركات الداعمة
منذ ست سنوات، أبرمت شركة توتال لبنان اتفاق شراكة مع النادي اللبناني للسيّارات والسياحة (ATCL) أصبحت بموجبه الراعي الرئيسيّ والمزوّد الحصري للوقود في بطولة لبنان للراليات.
بحسب «توتال لبنان», فإن الشركة تستثمر الكثير من الموارد البشريّة والفنيّة لتوفير منتجات عالية الجودة للمتسابقين. هذا وترافق «مجموعة توتال»، منذ أكثر من 40 عاماً، أبرز صانعي السيّارات في التزاماتهم الرياضيّة، وتدعم أعرق المنافسات. من هنا، يتمحور إطار عمل المجموعة في مجال السباقات حول توفير المنتجات التي تشارك مباشرةً في تحسين أداء المحرك على حلبة السباقات. وبالتالي إنّ نجاحات المتسابقين مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمنتجات الشركة. وتؤكد شركة توتال «أنه في بطولة لبنان للراليات يحظى المتسابقون بالتقنيّة الأكثر تقدّماً في مجال وقود السباقات، وبالتالي بخبرة التجارب الناجحة التي خاضتها «مجموعة توتال» في مجال السباقات في العالم، فالفِرَق المتنافسة تستخدم TURBO ADV R و Atmomax و TOTAL Effimax».
مديرة قسم التسويق في «بنك مصر ولبنان» دانا عليوان، تشير إلى «أن المصرف قرر أخيراً اتباع استراتيجية ليكون أول مصرف يدعم رياضة السيارات التي تستقطب جمهوراً كبيراً من اللبنانيين عموماً والشباب خصوصاً. وسيشارك المصرف في رعاية هذا الموسم للراليات.»
رئيس «مجموعة يوكوهاما ــــ لبنان» مروان حويّك، أحد الرعاة الأساسيين لموسم الراليات، يؤكد «أن اهتمام شركته بهذه الرياضة لا يزال كما كان سابقاً، ولا سيما أن «يوكوهاما» معنية مباشرة بالرياضة الميكانيكية، وهي، بالتالي، لن تتقاعس عن المساعدة في هذا المجال». ورأى أن «من واجب الشركات المعنية مباشرة بقطاع السيارات أن تدعم وتساعد رياضة المحركات باعتبارها أفضل مروّج لعلاماتها التجارية. غير أن سوء الأوضاع الاقتصادية قد يكون السبب الذي أرغم بعض الداعمين على تقليص مصاريفهم».
أحد الخبراء المتابعين لرياضة السيارات يشدّد على دور هذه الرياضة الترويجي والتسويقي، بما ينعكس إيجاباً على الرعاة كشركات وعلامات تجارية، وفي الوقت نفسه على القطاع السياحي. لذلك، يتعين أن يمتلك المسؤولون اللبنانيون، وليس الشركات وحدها، رؤية مماثلة لزملائهم في دول كقطر والبحرين على سبيل المثال… من دون التقليل من أهمية الأزمة الاقتصادية والمالية المتفاقمة التي قد تجعل من هذه الرياضات المكلفة ترفاً ثقيلاً.