رائد الصالحاني
بعد جمود في سوق الصرف في دمشق، تدخل المصرف المركزي خلال أيار/ مايو، مرات عدة طارحاً ملايين الدولارات بأسعار خيالية، إلى مراكز التصريف التي تتبع بالأساس لتجار مقربين من النظام، مجبراً تلك المراكز على شراء مليون دولار أميركي والبيع للمواطن بدون فوائد.
ففي أول تدخل للمركزي طرح الدولار بسعر 620 ليرة، وبدأ تدريجاً بخفض السعر إلى أن اصبح 565 ليرة، فيما تستمر السوق السوداء بالتخبط والارتفاع والهبوط المفاجئ. لكن، ما مصير هذه الملايين من الدولارات؟
يوضح أحد العاملين في شركات الصرافة في دمشق، في حديث لـ”المدن”، أن مئات المواطنين يقفون يومياً على أبواب شركات الصرافة، كثيرون منهم ذهبوا إلى التجارة بالدولار بشكل يومي، فيدخل المواطن الشركة ليشتري 200 دولار، ويذهب بعدها إلى السوق السوداء ليبيعها بربح نحو 5000 ليرة، أو أكثر، ليرسل في اليوم التالي أحد أبنائه أو أقاربه لشراء المبلغ نفسه، في سبيل تحصيل الفرق بين المركزي والسوق السوداء، وكسب مصدر رزق ثانٍ مع ارتفاع أسعار المعيشة في دمشق.
ولكن، يضيف العامل، عندما شعرت بعض الشركات بهذا الأمر بدأت تسأل الزبون هل يود البيع في السوق السوداء أم أنه بحاجة إلى تلك الدولارات فعلاً؟ فإذا كان مقصد الزبون السوق السوداء، تقوم الشركة بعرض فرق التصريف بالليرة السورية على المواطن مقابل التوقيع على استلام المبلغ بالدولار، وحينها تبقى الدولارات في يد شركة الصرافة ليتم بيعها لرجال الأعمال الكبار، والذين يعتبر أهمهم رامي مخلوف، ابن خال الرئيس بشار الأسد، وبعض المحسوبين على النظام الذين يأتيهم دخل يومي بملايين الليرات السورية.
وقد باتت شركات الصرافة تعرف بعض الزبائن الذين يتاجرون في السوق السوداء، أو يكون أحدهم مندوباً عن أحد المتعاملين مع الشركة. وبالتالي، فإن البيع مباشرة بسعر السوق السوداء، لا يمكن وصفه بأنه حالة عامة، لكنه منتشر إلى حد كبير.
ويتم التخلص من ملايين الليرات عبر طرحها في السوق السوداء من طريق صرافين يتبعون لهؤلاء التجار، لتستبدل ملايين الليرات السورية بالدولار ويتم تهريبها إلى خارج البلاد في حسابات التجار في البنوك الدولية، أو عبر الحيلة التي تتبعها مراكز الصرافة بإعطاء المواطن فرق السعر وإبقاء الدولارات لهؤلاء التجار. ويقدر المبلغ الذي طرحه المركزي خلال شهر واحد بأكثر من 30 مليون دولار لعشرة مراكز صرافة كبيرة على ثلاث مراحل.
أهم مصادر الدولار في السوق تعتبر الحوالات الواردة إلى سوريا عبر مكاتب التحويل “النظامية” ومكاتب السوق السوداء من أهم المصادر التي تدخل العملة الصعبة إلى دمشق، ولا سيما أن شركات التحويل المرخصة ممنوعة عن تسليم المواطن حوالته بالدولار، بل يتم تسليمه بالليرة السورية، ووفق سعر صرف يحدده المصرف المركزي يراوح بين سعر التصريف الرسمي وسعر السوق السوداء. فيما تعتبر أموال الاستيراد المورد الثاني للعملة الصعبة، إذ يتم يسعر المصرف المركزي التصريف أيضاً. أما المورد الثالث فهو من المناطق المحررة، مع تكتم شديد من الإعلامين الموالين والمعارضن، على العلاقات المالية الجيدة بين مناطق سيطرة النظام ومناطق سيطرة المعارضة، حيث أن مئات الآلاف من الدولارات التي تأتي دعماً للفصائل والمنظمات الإغاثية والطبية يتم تصريفها عبر وسطاء في مدينة دمشق، ليدخل بدلاً منها ملايين الليرات.
ويقول مستشار إقتصادي سابق في وزارة المال، لـ”المدن”، إن رجال الأعمال الكبار المقربين من النظام هم السبب الرئيس للتلاعب بسعر الصرف، وما من قرار يصدر عن المصرف المركزي إلا بأمر منهم، ليتم سحب أكبر كمية من الدولارات من السوق لاستبدال ملايين الليرات التي تدخلهم يومياً من أعمالهم في السوق المحلية. يضيف أن أصحاب رؤوس الأموال يفضلون خسارة الملايين يومياً لتحويل ملايينهم إلى دولارات عبر حيل مشروعة وغير مشروعة، على أن تبقى داخل سوريا بهذا الشكل.
ويتوقع المستشار أن يهبط الدولار مرة أخرى مع شهر رمضان، ليعود إلى 600 ليرة، وذلك بسبب بدء نفاذ الكميات المطروحة من جانب المركزي.