كتبت مرلين وهبي في صحيفة “الجمهورية”:
في خضمّ إعادة الفرز السياسية القائمة جرّاء نتائج اﻻنتخابات البلدية، وما أسفرت عنه صناديق اﻻقتراع، تدور التساؤلات بشأن طبيعة الخريطة السياسية وتضاريسها، من فضّ تحالفات ورصد اتصاﻻت قد تُفضي الى تقارب ما في طرابلس وفق قاعدة… إلتقاء المصالح.
بدايةً، لا بد من اﻻشارة الى أنّ التركيبة السياسية اللبنانية ﻻ تضمن عدم إنهاء أيّ حالة سياسية بعد هزيمة نكراء تُفضي للانسحاب من الحياة العامة اذا أردنا التسليم بالخضوع لمنطق الربح والخسارة، الّا أنه في القاموس الطرابلسي لا يمكننا التسليم بهذا المنطق إذ ﻻ يمكن تغييب حالة الرئيس نجيب ميقاتي أو النائب محمد الصفدي وشطبهما من المعادلة السياسية المحلية لمجرد خسارتهما، على رغم فداحة الخسارة وأثمانها.
ففي الخلاصات السياسية الأولية، دخلت طرابلس في مرحلة جديدة لا تشبه ملامحها مطلقاً الفترة الماضية الممتدة من العام 2005 حتى اليوم. فالتوافق السياسي الذي عقد على عجل بين ميقاتي والرئيس سعد الحريري في طرابلس ولد ميتاً، ولم يبصر النور، يقابله تثبيت الوزير أشرف ريفي زعيماً محلياً يتمتّع بشعبية واسعة بلا منازع ولكن من دون أن تتضِح طبيعة زعامته وماهيتها وحدودها.
غير أنّ حلفه مع المهندس وليد معن كرامي، الذي تظهّر بشكل أوّلي خلال اﻻستحقاق البلدي، يؤشّر الى تصاعد طموح ريفي نحو خوض غمار اﻻنتخابات النيابية والتحضير لها وكأنها حاصلة غداً.
تبقى المصيبة الكبرى، والتي دفع ثمنها المسيحيون من خلال خلوّ بلدية طرابلس من اﻻعضاء المسيحيين في مجلسها منذ تأسيسها، جرّاء التطاحن السياسي الذي حصل وأدى الى استقالة النائب روبير فاضل.
وهناك من يرى تداعيات ضخمة تتجاوز الحسابات البلدية في اتجاه حسابات أخرى تتعلق بمقعدي طرابلس النيابيين اﻻرثوذكسي والماروني، ولعله من الظلم تحميل ريفي وحده هذا السقوط المدوّي في ظلّ شراهة بعض اﻻطراف لـ”لَطش” الحصة المسيحية بحكم محاولة فرض وصاية سياسية عليها.
في هذا المجال، ثمّة مقاربة مختلفة بعض الشيء عن إشكالية الحضور المسيحي في طرابلس. فوفق أوساط سياسية في المدينة، فإنّ استسهال وَهب المقعد الماروني في طرابلس وكأنه رزق سائب، والذي شغله الياس عطالله ومن ثم النائب الحالي سامر سعادة ضمن قِسمة فريق “14 آذار”، أفضى عملياً لفتح شهية الوزير جبران باسيل، الباحث عن أيّ ثغرة، ليبرهن عن حيثية مسيحية. من هنا تعتبر الأوساط نفسها أنّ إلحاح باسيل على نَيل أيّ حصة بلدية لم يكن بريئاً، وهو متصل بحسابات طويلة المدى.
وتضيف الأوساط انّ هذه الحسابات قرأها المراقبون في مدينة الفيحاء، وتوقفوا عندها كاشفين انّ طرابلس سوف تكون ربما على موعد مع مفاجأة من العيار الثقيل متعلقة بالمقعد الماروني وفق منطق إعادة الحق إلى أصحابه.
الّا انّ حسابات باسيل السياسية لم تتطابق مع بيدر طرابلس، فصحيح أنّ طبول الحرب الميقاتية قد ضربت من أجل المنازلة مع تيار “المستقبل” حول بلدية طرابلس، ومن البديهي تضامن النائب سليمان فرنجية مع “المستقبل” بحُكم التحالف السياسي، وهو صاحب التأثير الأوسع في اﻻحياء المسيحية في الزاهرية والتل، لكن من السذاجة التفكير بأنّ ميقاتي سيضحّي بعلاقته التاريخية مع فرنجية كرمى لباسيل، مع العلم أنّ ميقاتي أبلغ رئيس تكتل “التغيير والإصلاح” العماد ميشال عون شخصياً أنّ صوته وصوت كتله سيذهب الى فرنجية.
في ضوء ذلك، لم يتوانَ باسيل عن ضَمّ طرابلس الى جَردة معاركه اﻻنتخابية، وتَعمّد قصف المتوافقين من البترون وتحميلهم وحدههم سقوط المسيحيين في طرابلس وإغفال دور ريفي، ما يوحي بمحاولات تقارُب محتملة مع ريفي على خلفية قاعدة: خصم خصمي قد يُفضي لتحالف مُحتمل عنوانه التقاء المصالح.
رصد اتصالات
ما يؤكّد هذه الفرضية معلومات تشير الى توقّف اتصاﻻت مندوبي باسيل في طرابلس مع كوادر تيار “العزم” التي كانت مستمرة على مدار الساعة، في المقابل فتحت خطوط مع مقرّبين من ريفي قبل يومين من اﻻقتراع. وكشفت المعلومات عن حرص المندوبين للحفاظ على وتيرتها المرتفعة.
ومن جهة ثانية، يبدو انّ ريفي مستمرّ بتصعيده، خصوصاً انه أعلن بالأمس اتجاهه الى تشكيل تيار سياسي يقود حركة “التغييرية”. فهل ينتظر الشارع السنّي مفاجأة من العيار الثقيل كما حصل في انتخابات طرابلس؟