Site icon IMLebanon

ألمانيا: أزمة اللاجئين تنجب سلالة جديدة من أصحاب المشاريع

Refugees-Germany
جاي تشازان

جهاز هاتف ريف كوهيرت يضجّ بالخبر: بعض من لاجئيه ذهبوا إلى قاعة مدينة برلين للاحتجاج على خدمات تزويد الطعام في المأوى التابع له.

يقول، وهو مندهش “إنهم دائماً الأشخاص أنفسهم الـ 10-15 الذين يشتكون. معظم الآخرين ممتنون أنهم يملكون سقفا يؤويهم”.

التعامل مع مثل هذه المكالمات هو الآن جزء من الروتين اليومي لكوهيرت. شركته “دي أكزينته سوشيال”، تُدير ثلاثة ملاجئ للاجئين في برلين: صالات رياضية تم تحويلها لتؤوي 530 شخصا من مناطق بعيدة مثل أفغانستان وإريتريا.

يقول كوهيرت إنه مُعجب كبير بسياسة الباب المفتوح للاجئين التي أطلقتها المستشارة أنجيلا ميركل. “لقد أصبحت مصدر رزقي. أنا أعيش منها، وكذلك يفعل جميع الموظفين لدي”.

أزمة المهاجرين هي أكبر تحدّ تواجهه ألمانيا منذ إعادة التوحيد. في العام الماضي أكثر من مليون مهاجر دخلوا إلى البلاد، ما شكَّل ضغطا غير مسبوق على الخدمات الاجتماعية وعلى السلطات المحلية المُكلّفة بإسكانهم وإطعامهم ودمجهم في المجتمع الألماني.

لكن بالنسبة إلى بعضهم كانت الأزمة بمثابة نعمة. تكاليف رعاية اللاجئين في ألمانيا وصلت إلى 20 مليار يورو في العام الماضي، وكثير من ذلك المال يُدفع لشركات خاصة وأفراد. يدير مزوّدو الفراش والخيام تجارة كبيرة، كما يفعل مزوّدو الطعام، وشركات البناء والمهن ذات الصلة، التي تقدم الخدمات إلى المنازل من أجل الوافدين الجُدد.

التدفق المفاجئ كان مفيداً أيضاً للطبقات المالكة للعقارات في ألمانيا. أصحاب المخازن، والمستودعات، والفنادق، وأماكن المبيت والإفطار، والمساكن جميعهم حوّلوها بسرعة إلى ملاجئ، في الوقت الذي كانت تتدافع فيه البلديات في أنحاء البلاد كافة لإسكان الحشود التي تتدافع على عتبات أبوابها.

كذلك ولّدت الأزمة سلالة جديدة بالكامل من أصحاب المشاريع. كوهيرت واحد من مئات رجال الأعمال الذين فازوا بعقود لتشغيل المساكن. وتدفع حكومة مدينة برلين لشركته، “دي إكزينته سوشيال”، 25 يورو عن كل لاجئ يومياً، وهو مبلغ يصل إلى نحو خمسة ملايين يورو سنوياً – وهو تدفق إيرادات كبير بالنسبة إلى شركة صغيرة.

لكن الشركة تتطلّع إلى الحصول على جائزة أكبر بكثير. كوهيرت يتقدم بعطاءات من أجل تشغيل وحدات المجمعات السكنية وقرى الحاويات التي تظهر الآن في أنحاء ألمانيا، في الوقت الذي ينتقل فيه اللاجئون تدريجياً من ملاجئهم المُخصصة.

يقول كوهيرت “منذ البداية كان واضحاً أن هذا يُمكن أن يتحوّل إلى عمل جاد. المسألة الوحيدة كانت ما إذا كان هذا سيكون لفترة قصيرة فقط، أم شيئا لديه آفاق حقيقية على المدى الطويل”.

ويظل كوهيرت لاعبا صغيرا نسبياً. هناك مُشغّلون كبار، مثل شركة يوروبيان هومكير التي تتولى إسكان نحو 20 ألف طالب لجوء في أكثر من 100 ملجأ في أنحاء ألمانيا. وقد ارتفعت إيراداتها من 17 مليون يورو في عام 2013 إلى 100 مليون يورو في عام 2015.

يقول كلاوس كوكس، المتحدث الرسمي باسم الشركة “يمكنك كسب كثير من المال من هذا، لكن فقط إذا قمت به على نطاق صناعي”.

ويعتقد بعض السياسيين أن الشركات التجارية لا ينبغي أن تُشغّل المساكن، لأنها مهمة من الأفضل تركها للجمعيات الخيرية والمنظمات غير الربحية، مثل الصليب الأحمر.

فابيو رينهاردت، العضو في برلمان مدينة برلين، يقول “إن حكومة المدينة وزّعت العقود على مُضاربي العقارات الذين ليست لديهم خبرة في التعامل مع اللاجئين”.

في صيف عام 2015 بدأت حكومة المدينة تبحث عن مطوّري عقارات لديهم مبان فارغة كبيرة وسلّمتهم العقود لتشغيلها لتكون ملاجئ طارئة. وسرعان ما تدخّلت شركات كبيرة في برلين، مثل PeWoBe، التي لديها في الأصل خبرة في إسكان اللاجئين من الحروب اليوغسلافية في أوائل التسعينيات والمهاجرين الألمان الأصليين من الاتحاد السوفياتي السابق.

لكن العقود كانت تخضع لتدقيق مُكثف في الأشهر الأخيرة، بعدما تم منح عديد منها بدون مناقصات عامة. وقالت وزارة الشؤون الاجتماعية في برلين، المعروفة باسم LaGeSo، “إن من غير المناسب إجراء مناقصات لتجهيز أماكن السكن الطارئة، لأن الأولوية الرئيسية هي التأكد من أن الناس لديهم سقف فوق رؤوسهم”.

لكن ذلك العذر أخفق في إقناع النقاد. ووصف تقرير صدر في الآونة الأخيرة من ديوان المحاسبة في برلين، وهو هيئة مراقبة رسمية، الطريقة التي تعاملت بها وزارة الشؤون الاجتماعية مع العقود لتجهيز المساكن من أجل اللاجئين بأنها “غير قانونية”. وغالباً ما كان يتم الحصول على الصفقات بمصافحة يد، وليس من خلال عقد مكتوب.

وفي وقت سابق من هذا العام، تم اعتقال أحد المسؤولين في وزارة الشؤون الاجتماعية للاشتباه بتقاضي رشوة من شركة أمن تسعى إلى الحصول على عقود لحراسة ملاجئ اللاجئين. وأثناء عمليات تفتيش في شقة المسؤول، ضبطت الشرطة سيارة و51 ألف يورو نقداً.

في الوقت نفسه، أثيرت تساؤلات بشأن دفعات وزارة الشؤون الاجتماعية لأصحاب العقارات الخاصة لإسكان طالبي اللجوء. ووجد تحقيق كشفته قناة التلفزيون الألمانية، ZDF، أن المدينة كانت تدفع لأحد المالكين 5200 يورو شهرياً مقابل شقة من ثلاث غرف تشغلها عائلة سورية، في منطقة متوسط الإيجار الشهري فيها ألف يورو. وكان أحد أصحاب الفنادق يتلقّى 200 يورو في الليلة لغرفة تشغلها عائلة مكونة من خمسة أفراد، بينما سعر الغرفة السياحية العادية 75 يورو في الليلة.

علاقة كوهيرت بإدارة الملاجئ بدأت في الصيف الماضي، عندما تلقّى مكالمة من وزارة الشؤون الاجتماعية. قال المسؤولون “إنهم وضعوا يدهم على صالة جمناز في واحدة من مقاطعات برلين المركزية وسألوا ما إذا كان سيُشغّلها. وقبل انتهاء اليوم عرضوا عليه واحدة ثانية”. ويقول “إنه لا يزال يعمل بدون عقد رسمي مع المدينة”.

وفي غضون أربع ساعات، كان هو وفريق عمله قد حوّلوا الصالة الرياضية الأولى إلى مكان إقامة طارئ، بمساعدة مجموعة من المتطوعين المحليين، وانتقل إليها أول الساكنين. وخلال أيام تم تعيين أفراد من الأمن ووضع فريق إدارة.

الظروف لم تكُن مريحة: المكان يبدو كأنه مخيّم لاجئين، مع الشباب في الأساس يستلقون على أسرة من طابقين مفصولة بشراشف. ويعترف كوهيرت “هذه لا تزال صالة رياضية، ليست مهجعا أو مسكنا. ليست هناك خصوصية تذكر. الناس ليسوا وحدهم أبداً”. وهو يحاول إبقاء مستوى الضجيج منخفضاً في الليل عن طريق إطفاء خدمة الإنترنت اللاسلكي.

الاختصاصيون الاجتماعيون والمستشارون متوافرون للتعامل مع الساكنين الذين يعانون آثار ما بعد الحرب والصراعات الأهلية. وشاهد كوهيرت أخيرا مجموعة من الأطفال في الصالة الرياضية يلعبون بالصلصال: أحدهم صنع زورقا صغيرا مُكتظا بالناس. يقول “لقد شعرت بالقشعريرة”.

ويرى بعض النقاد أن أي شخص يحاول الاستفادة من الأزمة الإنسانية هو شخص غير أخلاقي. هذه حجة يرفضها كوهيرت ويقول “لا أحد يدخل هذا المجال من العمل لجني كثير من المال. هوامش الربح ضئيلة جداً”.

لكن هذه صناعة لديها مستقبل آمن. “في الأعوام الخمسة إلى العشرة المُقبلة لا بد أن يكون هناك مزيد من تدفقات اللاجئين. دائماً ما ستكون هناك أزمات في العالم، لذلك هذا العمل سيكون دائماً مطلوباً”. جويرجين فوفرا، مثل كوهيرت، واحد من رجال الأعمال الكثيرين الذين فتحت أزمة اللاجئين أمامهم فرصاً تجارية. منذ عام 1997 شركته الصغيرة “بارانيت” تصنع قبابا يمكن نفخها بالهواء، تستخدَم بصورة رئيسية مخازن لوجستية، أو لتغطية برك السباحة وملاعب التنس المفتوحة. لكن في عام 2013 اتصلت حكومة مدينة برلين بهذه الشركة لبناء ملجأ للمشردين أثناء شتاء بارد على نحو غير عادي. وفي العام التالي طلبت منه بناء مأوى طوارئ للاجئين، وبعد ذلك جاءت طلبات سريعة من جميع أنحاء ألمانيا.

وحتى الآن بنت الشركة 35 قبة لإيواء أكثر من عشرة آلاف لاجئ، راوحت أسعارها بين 180 ألفا ومليوني يورو. وتوفر الشركة كل ما يلزم، من المشرفين على الخدمات والأمن وتزويد الطعام والنظافة والأسرة والكراسي والطاولات والإضاءة والطاقة.

يقول فوفرا “إن عائدات “بارانيت” تضاعفت ثلاث مرات لتصل إلى 6.2 مليون يورو في عام 2015، مقارنة بالعام السابق، ومن المتوقع أن تتضاعف أكثر من ثلاث مرات في هذه السنة، لتصل إلى 22 مليون يورو”.