كتبت كلير شكر في صحيفة “السفير”:
بغض النظر عن النتائج التي حققها تفاهم معراب في معاركه البلدية، وبمعزل عن النظرة الى تلك الحصيلة، سواء توّجت بمباركة مؤيديها والمتحمسين لها، أو نالت نصيبها من الانتقادات والاعتراضات، فإنّ الأكيد أنّ تحالف “التيار الوطني الحر” و “القوات” كان له نصيبه الأكبر من الحراك البلدي في المناطق المسيحية، تركيباً للوائح تنافسية تحولت تلقائياً الى مواجهات مع كل “المتضررين” من هذا التفاهم.
هكذا أنزل قطبا “الثنائي المسيحي” اعلان النيات من برج التفاهم السياسي الفوقي الى القواعد الوسطية والشعبية في كل لبنان، ليثبتا أنّ ما عقداه بالسياسة يتمتع بكل مقومات الترجمة العملانية ويجوز نقله الى البيئة الحاضنة لكلا الحزبين… أما قراءة النتائج فتلك مسألة أخرى.
عملياً، لا يجوز تعريض التفاهم للتشريح السياسي لقياس مدى تماسكه، طالما أنّ اعلان النيات فيه ما يكفي من المساحات الفضفاضة التي أبقت لكل طرف اصطفافه وخندقه وتحالفاته، ولم يقتربا الا من خط الرئاسة دعماً للجنرال ميشال عون. أما غير ذلك، فلا يزال كل منهما في متراسَيْ المواجهة وان اتفقا على ضبط منسوب السجال وعدم تحويل المختلف بينهما خلافاً.
هكذا، يصير تقريش التحالف وفق منطق المحاصصة وتقاسم الغلّة، على اعتبار أنّ الترجمة الفعلية للتلاقي العوني ـ القواتي كانت في الملعب البلدي، ويفترض أن تنتقل في ما بعد الى الملعب النيابي، على قاعدة توزيع مغانم المقاعد بعد قضمها من طبق الآخرين، وهنا يُقصد بالآخرين بقية القوى المسيحية، الحزبية (خصوصاً “الكتائب” و “المردة” والعائلية).
ولهذا ألحقت صفة التسونامي بتفاهم معراب وثمة من أمسك على الوزير جبران باسيل كلامه على طاولة الحوار الوطني بأنّ هذا التحالف سيكون “بمثابة قاشوش قادر على بلع كل مَن يقف بوجهه”.. وبدأت المحاسبة على أساس السقف العالي الذي رُفع عشية الاستحقاق البلدي.
وعليه، يُعاير رافضو التفاهم، أهله بنسب التأييد الخجولة التي أفرزتها الصناديق المشتركة بين العونيين والقواتيين. وفي بالهم نماذج المعارك التي جمعت أهل “التفاهم” جنباً الى جنب كساحل المتن الشمالي، ومنها مثلاً سن الفيل (لم تتخط الـ36 %)، وانطلياس (41 %)، أو القبيات (48 %)، تنورين (39 %)، غوسطا (43 %)، وكلها لوائح لـ “الثنائي المسيحي”، ولم تتمكن أي منها من تحقيق انتصار.
بناء على توصيف المتابعين، فإن هذا التحالف “هو زواج مصلحة”، وفق “أجندتين” مضمرتين ومختلفتين كلياً، ونقطة ضعفه أنه يفتقد للقواعد السياسية التي يراد منها حماية مصالح المسيحيين… وإلا كيف يفهم الانفصام بالخطاب بين معركة بيروت ومعركة زحلة، في الأولى، مد يد لسعد الحريري ميثاقياً وفي الثانية تم الاستنجاد بكل القديسين والأجراس لمواجهة “تيار المستقبل”.
هذا الالتقاء بين “الثنائي” فتح شهية القوى الأخرى على المناداة بتوحيد صفوفها. يكفي الاستماع الى أحمد الحريري يدعو القوى السنية الى التماثل مع “الثنائي المسيحي” دفاعاً عن مكتسبات الطائفة السنية، في أوضح تعبير عن خشيته الواضحة من مفاعيل التحالف العوني ـ القواتي السلبية.
وفق فلسفة المدافعين عن التفاهم، فإنّ النظرة الى اختبار الانتخابات البلدية مختلفة كلياً عن القراءات المتداولة من جانب “المتضررين” منه. يقول هؤلاء إنّ التفاهم لا يزال في بداياته ولا يجوز بالتالي تحميله أكثر مما يحتمل، الا أنّ أولى إنجازاته هي توحيد المتضررين منه ليصيروا في خندق واحد أو مركب واحد، قد ينفجر في أي لحظة بسبب هشاشة ما يجمع بين مكونات هذا القالب الهجين.
ويجزمون أنّ العماد ميشال عون كما سمير جعجع راضيان عن مسار التحالف الانتخابي، برغم سوء الأداء الاداري، مع أنّ الكواليس تضجّ بالملاحظات التي يسجلها العونيون على حلفائهم الجدد الذين حضروا، حيث لا لزوم لهم و “اختفوا” حيث كانت الحاجة لهم ماسة وكان بمقدورهم أن يساندوا “التيار”.
لكن للمدافعين عن التفاهم وجهة نظر مختلفة تقول إنّ التحالف لم يكن كامل الأوصاف أو منزّهاً من الأخطاء، ويقرّون بوجود هفوات إدارية وانتخابية، “هي ببساطة كبوات لا ترتقي الى مستوى الهزائم الكبرى التي من شأنها أن تكسر التحالف أو أن تهزّ أساساته، بدليل أنّ هناك من راهن على تعطّل مسار التحالف بعد محطة جبل لبنان، إلا أنّ المسيرة استمرت بنشاط أكبر وفاعلية أكبر”.
يؤكد هؤلاء أنّ تجربة البلديات كانت صعبة على المستوى الإداري والسياسي، لكنها ناجحة ويسهل تعميمها في استحقاقات او مواجهات سياسية أخرى، طالما أنّ كلا الفريقين قدّما كل الإثباتات والدلائل على التفاعل الإيجابي مع اللوائح المشتركة، من دون أن يعني ذلك أنّ الاستثناءات لم تحصل.
ولكن كبداية للعمل المشترك، هي خطوة ناجحة يمكن البناء عليها، والعمل على تأطيرها، خصوصاً أن الهمّ الأول من التحالف الانتخابي هو تخفيف المواجهات العونية ـ القواتية قدر الإمكان، “وهذا ما حققناه”.
يضيف هؤلاء أنّ المحصلة النهائية للأسابيع الأربعة تعبّر عن انتصار الثنائي المسيحي، ليس ربطاً بسقف الـ 86 % الذي رسمه البعض، وإنما ربطاً باضطرار الآخرين للدفاع عن معاقلهم خوفاً من اجتياح لوائح التيار والقوات. ويؤكدون أنّ الخارطة البلدية مختلفة كلياً عن شروط الخارطة النيابية، وقد لا تتمكن النيابة بالضرورة من تجميع مَن التقى في البلدية.
يختم أهل التفاهم “أنّ الرسم البياني لحركة عون ـ جعجع تصاعدي وحركتهما طموحة ومتفائلة، بينما التحزّب العائلي الى انحدار”.