كتب غسان ريفي في صحيفة “السفير”:
قد تحتاج “الجماعة الاسلامية” الى وقت طويل لمعالجة الندوب السياسية التي أصابت جسدها في الانتخابات البلدية والاختيارية في طرابلس ومدن الفيحاء التي أظهرت تراجعا كبيرا لحضورها في المدن التي كانت تعتبر تاريخيا معقلا لها.
ومن المفترض أن تنسحب تداعيات هذه الندوب على المؤتمر العام الذي ستعقده “الجماعة” قريبا، في ظل تقديرات بأن “يكون عاصفا بفعل الاحباط الذي يخيم على كوادر الجماعة”، على حد تعبير أحد القياديين.
وقد أظهر الاستحقاق البلدي، بحسب الاحصاءات الانتخابية، أن “الجماعة” كانت “الحلقة الأضعف” ضمن التحالف السياسي، الأمر الذي سيدفع كثيرا من الكوادر الشبابية الى التشديد على ضرورة معالجة الخلل القائم، لا سيما في ما يتعلق بخياراتها وبالهوة التي تتسع بين قيادة “الجماعة” وقاعدتها وبالتالي، كيفية إخراجها من “شيخوختها” خصوصا بعد وصول أمينها العام عزام الأيوبي الى سدة القيادة.
وتشير المعلومات الى أن “الجماعة” طرحت في البداية أن تتمثل في اللائحة التوافقية الطرابلسية بثلاثة مرشحين من كوادرها وإثنين من المجتمع المدني محسوبين عليها، لكن طلبها لم يلق أي تجاوب، فاتجهت نحو تشكيل “لائحة إسلامية” على غرار “لائحة الاصلاح” عام 1998 التي فازت بكاملها، “لكنها وبعد سلسلة من المشاورات، وجدت أن الساحة الاسلامية غير موحدة، فالتيار السلفي منقسم الى عدة أقسام، وتنظيم جند الله له خياراته الى جانب المجتمع المدني، وحركة التوحيد الاسلامي بشقيها الأمانة العامة بقيادة الشيخ بلال شعبان، ومجلس القيادة بقيادة الشيخ هاشم منقارة لا يمكن التعاون معه بسبب الخصومة السياسية”.
أمام هذا الواقع وجدت قيادة “الجماعة” أن “اللائحة الاسلامية” التي تطمح الى تشكيلها ستواجه ثلاث نقاط ضعف ستجعلها مهيضة الجناح، وهي: تشظي الساحة الاسلامية بالدرجة الأولى، غياب الامكانات المالية، عدم وجود ماكينة إنتخابية.
لذلك، رأت القيادة أن القبول بممثل لها في لائحة “لطرابلس” المدعومة من “التحالف السياسي الطرابلسي”، وفي لائحة “الميناء حضارة” المدعومة من التحالف أيضا، يمكن أن يحفظ لها ماء وجهها، ويجعلها شريكة أساسية في هذا التحالف، خصوصا أنها تمكنت من الوصول الى تسوية تقضي بتسمية طلال دنكر (مقرب من الجماعة) لرئاسة لائحة القلمون، والشيخ سعيد العويك (أحد مسؤولي الجماعة) لرئاسة لائحة البداوي، وحصلت على وعد من التحالف السياسي بدعمهما.
ويبدو واضحا أن قرار “الجماعة” كان “فوقيا” ولم يلامس نبض القاعدة الشعبية التي اعترضت بشدة على ترك الساحة الاسلامية والتحالف مع “الأحباش”، وعلى التحالف السياسي الذي من شأنه أن يعيد تجربة لائحة التوافق في العام 2010، وقد ترجم هذا الاعتراض يوم الانتخاب، فغاب حضور “الجماعة الاسلامية” ضمن الماكينات الانتخابية كليا، وردت قاعدتها الشعبية وجمهور الساحة الاسلامية بالتصويت بشكل شبه كامل للائحة “قرار طرابلس” التي ضمت مرشحين أكثر شعبية، وبينهم عدد من المقربين من “الجماعة” أو المحسوبين على الساحة الاسلامية، فخسر مرشح “الجماعة” على لائحة التحالف شوكت حداد، لدرجة أن مرشحين مسيحيين من اللائحتين المتنافستين حصلوا على نسبة أصوات أكثر منه بمعدل ألف صوت، فيما فاز مرشح “الجماعة” في لائحة “الميناء حضارة” حبيب الشامي.
والأنكى أن “الجماعة” لم تتمكن من الفوز إلا بمقعدين إختياريين في طرابلس، مقابل ستة لـ “الأحباش”، وكذلك فان لائحتها في القلمون خرقت بسبعة مرشحين من اللائحة المنافسة برئاسة الدكتور ثائر علوان، وخسرت لائحتها في البداوي ولم يفز منها سوى الشيخ العويك بمفرده.
وأولى ردات الفعل على هذا الاخفاق، كانت قيام المسؤول السياسي للجماعة في طرابلس إيهاب نافع بتقديم إستقالته، خصوصا أنه كان أول من أعلن بأن “الجماعة” تتجه لخوض معركتها الانتخابية ضمن تحالف إسلامي، وكان رافضا للتحالف مع القيادات السياسية ومع الأحباش.
وتشير مصادر قيادية في “الجماعة” الى أنها تنكب على دراسة أسباب الخسائر التي لحقت بها في مدن لطالما شكلت معقلا لها، فضلا عن دراسة كيفية ردم الهوة بينها وبين قاعدتها، وكذلك إجراء مراجعة للساحة الاسلامية عموما وآلية التعاطي معها، وإعادة النظر في بعض علاقاتها وخصوماتها.
وتشدد هذه المصادر على ضرورة أن تعود “الجماعة” الى لعب دورها السابق في التواصل مع الناس، وأن تعطي الدور الأكبر للأجنحة الشبابية في ظل وجود أمين عام يعتبر من جيل الشباب، وأن تكون الصفعة التي لحقت بها خلال هذا الاستحقاق الانتخابي محفزا على إصلاح كل الخلل القائم، استعدادا للانتخابات النيابية المقبلة.