بن هيوز
رغم الانتعاش مؤخراً في أسعار النفط إلى ما يزيد على 40 دولاراً للبرميل، لايزال الاقتصاد الإقليمي يتأثر بالانخفاض الكبير لإيرادات النفط منذ ذروتها في منتصف عام 2014. ويقدر أن النمو الحقيقي في الناتج المحلي الإجمالي تباطأ إلى %3.2 خلال عام 2015. نتيجة لذلك، عدلت الحكومات سياساتها المالية، ونجم عن ذلك بطء في منح العقود. كما يقدر أن منح العقود انخفض بنسبة %27 بين 2014 و2015، ومن المحتمل أن تزداد النسبة في 2016 وما بعدها. في الواقع، لا تبشر توقعات القطاع بخير في عام 2016، إذ يقدر أن منح العقود سينخفض بشكل أكبر، مقترناً بتقلص السيولة من مصارف المنطقة.
مثل هذا الاضطراب الاقتصادي يؤثر عادة في قطاع الإنشاءات أولاً وبالدرجة الأكبر، مما ينعكس على نشوء الأنماط السلوكية التي تسهم في تفاقم الركود الاقتصادي. وتلك تضم تضاؤل الهوامش بسبب التسعير، وازدياد خلافات التفاوض والمطالبات فيما يتعلق بالعقود، وبروز مشكلات السيولة النقدية بالطبع.
إذن كيف يؤثر هذا في تسليم المشاريع وقطاع الإنشاءات عموماً؟ إذا أخذنا مخاطرة التسعير كمثال أولي، فهذا يعني أن الهوامش ستتناقص في القطاع لسببين: العملاء يريدون المزيد من المكاسب مقابل دفع مال أقل، وينهمك المتعهدون بحرب تسعير ينتج عنها تضاؤل مستمر للهوامش من أجل الحفاظ على القدرة التنافسية. إذ ببساطة يصبح الفوز بمشروع جديد نقطة التركيز الأكبر للمتعهدين، بسبب الرغبة في تشغيل فرق العمل باستمرار والحفاظ على التدفق النقدي من الدفعات المقدمة. في المقابل، يشكل هذا مخاطرة تسعير للعملاء لأن الهوامش المنخفضة لا تدوم، أي أن المتعهدين سيسعون لاحقاً إلى نيل هوامش أعلى على المطالبات والتغييرات. في الواقع، كشفت دراسة حديثة لـ(Deloitte) أن %53 من المشاركين فيها يعتقدون أن مطالبات العقود أزدادت منذ الأزمة المالية، ومن المحتمل أن تواصل الازدياد بسبب استمرار الغموض الاقتصادي في 2016، وما بعدها.
نتيجة تأثر الهوامش، يواجه المتعهدون حينذاك مشكلة تسليم المشاريع في ظل نقود وموارد أقل. وغالباً ما ينجم عنها خفض التكلفة في المواد أو استئجار المعدات وتأخر الدفعات إلى الموردين والموظفين، وخلافات متزايدة حول إدارة العقود، مثل المطالبات والتغييرات أو الدفعات التدريجية. في الواقع، يرتبط التدفق النقدي وضعف الأداء التشغيلي ارتباطاً وثيقاً، لذلك عندما يواجه المتعهدون صعوبات في تسليم متطلبات العقود، تتفاقم المشكلات حينذاك بفعل مواجهة ضغوطات نقدية كبيرة.
إذن كيف يمكن للقطاع تخفيف حدة هذه المشكلات خلال الركود الاقتصادي؟ ببساطة، الحل يكمن في تسليم المشاريع بفاعلية وكفاءة أكبر. نحن كبشر تحكمنا سلوكيات متشابهة، لذا من السذاجة الاعتقاد أن المتعهدين لن يحاولوا التنافس بينهم بتقليل الأسعار خلال أوقات الركود المالي. ولكن تنفيذ المشاريع بكفاءة أعلى خلال تلك الأوقات من الغموض سيمنح المتعهد ميزة إيجابية، إذ إن من يملكون خطة واضحة سيتمكنون من الصمود على الأرجح.
تسليم المشاريع بفاعلية أكبر لا يعني بالضرورة استخدام أشخاص أقل أو مواد أرخص ثمناً. بل إنه يتحدد بناء على 3 ممارسات مهمة: التخطيط للمشروع وإدارة المخاطر وإدارة السيولة النقدية.
إذا وضع المتعهد خطة تسليم واضحة وواقعية (تتضمن خطة تكاليف محكمة وبرنامج وخطة قوى عاملة واختيار واضح للمواد وخطة توريد جيدة)، يتم الاتفاق عليها مع العميل منذ البداية، فإن التسليم وفقاً لهذه الخطة سيعطي نتائج متوقعة.
بالإضافة إلى ذلك، إذا تمت إدارة المخاطر في الوقت والطريقة المناسبين أثناء سريان العقد، وجرى التخفيف من حدتها أينما أمكن، فإن الانحراف عن الخطة شيء مستبعد، مما سيعطي أيضاً نتائج متوقعة.
أخيراً، إذا تمت إدارة التدفق النقدي من خلال: تحسين التخطيط النقدي المنسجم مع النشاط المادي، وإعداد الفواتير الاستباقية والواقعية، وتحسين التخطيط للمواد وتوظيفها وتحسين الربط بين الإدارة النقدية للمشروع وتمويل المكتب الرئيسي، وتحسين المعرفة التعاقدية بطاقم المشروع، فإن النتيجة ستكون تسليم المشروع بفاعلية وكفاءة في الوقت المحدد، وهذا سيكون الفارق الأهم بين النجاح والفشل، وبالتالي الصمود في نهاية المطاف.