استقبل المستثمرون خطة الإصلاحات الاقتصادية السعودية بفتور يوم الثلاثاء حيث يخشون من أن تؤدي الإجراءات التي تهدف إلى تقليص عجز الميزانية وقدره 100 مليار دولار إلى تباطؤ اقتصادي حاد في المملكة.
وتضمنت الوثيقة التي جاءت في 110 صفحات ونشرتها الحكومة مساء يوم الاثنين تفاصيل أكبر إصلاح من نوعه في سياسات المملكة منذ عقود في مسعى لإعادة هيكلة الاقتصاد للتكيف مع حقبة هبوط أسعار النفط.
وتضمنت خطة التحول الوطني مئات السياسات والأهداف التي إن تحققت ستغير طريقة أداء السعودية لأنشطتها. ويتضمن ذلك تعزيز الصناعات غير النفطية مثل السياحة وخصخصة البريد واستخدام مزيد من الطاقة المتجددة وميكنة الإجراءات الجمركية وتعديل رواتب القطاع العام.
لكن الأسواق ركزت في الأساس يوم الثلاثاء على ما تحتويه الخطة من جهود رامية لكبح الإنفاق وتحقيق التوازن في الميزانية بحلول 2020. وتستهدف الخطة رفع الإيرادات الحكومية غير النفطية إلى 530 مليار ريال (141 مليار دولار) في 2020 من 163.5 مليار ريال في 2015 مع فرض ضرائب جديدة ومزيد من الخفض لدعم الوقود.
ويخشى بعض المستثمرين من أن تؤدي مثل تلك الإجراءات التقشفية إلى تباطؤ الاقتصاد وزيادة البطالة وإضعاف الثقة في قدرة الرياض على الاستمرار في ربط عملتها الريال بالدولار بدلا من تعزيز تلك الثقة.
وزاد المؤشر الرئيسي لسوق الأسهم السعودية 0.9 في المئة يوم الثلاثاء لكن التداول كان محدودا ولا تزال السوق منخفضة 4.9 في المئة عن مستواها في أواخر أبريل نيسان حينما أطلقت الحكومة إعلانا عاما مبدئيا عن الإصلاحات.
ولم تظهر الأسواق الأخرى أي علامات على تأثرها إيجابا بإعلان الإصلاحات مع ارتفاع تكلفة التأمين على الدين السيادي السعودي من مخاطر العجز عن السداد وارتفاع طفيف للعائد على سندات للسعودية للكهرباء تستحق في أبريل نيسان 2023 بينما تراجع الريال في سوق العقود الآجلة.
وقالت مونيكا مالك كبيرة الخبراء الاقتصاديين لدى بنك أبوظبي التجاري “الإعلان إيجابي في أنه يظهر الالتزام بإصلاح الموازنة. فالحكومة تركز بشكل واضح على ذلك.
“لكن الأمر المهم يتمثل فيما إذا كانت الخطة قابلة للتنفيذ وما إن كان ذلك صعبا. لم يتضح بعد مدى إمكانية الالتزام بالإطار الزمني.”
وقدرت مالك أن الإجراءات التقشفية التي جرى تبنيها في الوقت الذي أعلنت فيه الرياض ميزانيتها لعام 2016 في ديسمبر كانون الأول الماضي ستضر الاقتصاد بخفض قدره 1.5 إلى اثنين في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
كما قدرت مالك أن الإجراءات التقشفية في خطة التحول الوطني قد تؤدي إلى خفض قدره 2.5 إلى ثلاثة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي سنويا حتى عام 2020 لتزداد حدة تباطؤ الاقتصاد.
وبينما يتوقع المحللون بالفعل تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 1.5 في المئة هذا العام من 3.3 في المئة في 2015 فإن الاقتصاد ربما يواجه خطر الركود مع مضي خطة التحول الوطني قدما.
وسينعكس ذلك سلبا على نمو القطاع الخاص في الوقت الذي تطلب فيه الخطة من الشركات الخاصة تمويل مزيد من مشروعات التنمية لتخفيف الأعباء عن المالية العامة وتحاول فيه الرياض جذب مزيد من الاستثمار الأجنبي.
ويتمثل أحد الأهداف الحساسة سياسيا لخطة التحول الوطني في خفض نسبة مخصصات أجور ورواتب موظفي الحكومة في ميزانية الدولة إلى 40 في المئة بحلول 2020 من 45 في المئة.
ومن المرجح أن يتم ذلك من خلال التقليص التدريجي للعمالة ووضع سقف لزيادة الأجور والتضخم بدلا من التسريح المباشر لموظفي الحكومة أو خفض الرواتب. غير أن هذه خطوة صعبة في بلد اعتاد لفترة طويلة على استخدام الوظيفة الحكومية كأداة رفاه اجتماعي.
وقالت المجموعة المالية-هيرميس في تقرير “يبرز الهدف المتعلق بالأجور موقفا حازما لخفض النفقات في الموازنة… لكنه يشير ضمنا إلى أن بضعة أعوام صعبة تنتظر المستهلكين حيث أن 80 في المئة من المواطنين السعوديين يعملون في القطاع العام.”
وتخطط الحكومة أيضا لفرض ضربية قيمة مضافة في 2018 لكن لم تتضح بعد التفاصيل الكاملة للخطط الضريبية. وتوجه خطة التحول الوطني وزارة المالية لفرض ضريبة دخل على المقيمين. وقال مسؤولون يوم الاثنين إن السعوديين لن يخضعوا لتلك الضريبة لكنهم امتنعوا عن الإدلاء بمزيد من التفاصيل.
وقال جيمس ريف نائب كبير الخبراء الاقتصاديين لدى مجموعة سامبا المالية إن تعديل الأجور الحكومية قد يكون له تأثير إيجابي حيث سيدفع السعوديين إلى السعى إلى التوظف في القطاع الخاص. لكنه أضاف أن بعض العاملين لن يكونوا مستعدين لتغيير القطاع حتى يصبح النظام التعليمي أكثر استجابة لاحتياجات القطاع الخاص.
وأضاف “ثمة خطر بأن يعاني الاقتصاد من تبعات تحول غير سلس مع تغيير الخريجيين السعوديين اتجاههم صوب القطاع الخاص.”
وقال جون سفاكياناكيس المستشار السابق للحكومة السعودية ومدير البحوث الاقتصادية لدى مركز الخليج للأبحاث في الرياض إن خطة التحول الوطني تحتاج إلى أن توازن بين ما تأخذه من القطاع الخاص في صورة ضرائب ورسوم وما تمنحه في صورة حوافز وفرص أعمال جديدة.
وأضاف أنه لتفادي حدوث ركود اقتصادي فإن على السلطات أن تكون مستعدة لتعديل وتيرة تنفيذ عناصر خطة التحول الوطني وفقا لمدى استجابة قطاع الأعمال.