كتب عماد مرمل في صحيفة “السفير”:
بالتزامن مع عيد الميلاد الأول للتفاهم بين “التيار الوطني الحر” و “القوات اللبنانية”، أطلق النائب وليد جنبلاط موقفاً لافتاً للانتباه، بقوله إنه بات مستعداً لدعم ترشيح العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية بعد المصالحة المسيحية، ليضيف الجنرال “لفتة” جنبلاط الى رصيد ترشيحه، معززا قناعته بأن أسهم فرصته الرئاسية آخذة في الارتفاع، علما أن “فريق السبت” لاحظ، قبل ثلاثة أيام ارتفاعاً في معنويات الرجل الى حد اليقين الرئاسي وانتظار موعد التبريكات في القصر الجمهوري.
ولعل عون الذي يحفر جبل الرئاسة بالإبرة يشعر الآن بأن التحالف الذي عقده مع سمير جعجع، قبيل قرابة عام كان في محله، بعدما ساهم في تحسين الموقع التفاوضي للثنائي المسيحي على جبهات عدة، وأنتج وقائع جديدة في السياسة، لم يعد بإمكان الخصوم والحلفاء تجاهلها.
ولئن كان تفاهم معراب قد تعرض لـ “رضوض” خلال تدافع المصالح وتضاربها في الانتخابات البلدية، إلا ان طرفيه يحرصان على التقليل من شأن تلك الرضوض وانعكاسها على الملفات الاساسية التي وُجد التحالف من أجلها اصلا، وفي طليعتها “ملف تصحيح الخلل المزمن في التوازن الميثاقي على حساب المسيحيين”، كما يؤكد أحد القياديين في “التيار الوطني الحر”.
كان “الجنرال” يعتقد، ولا يزال، بأن نصف الطريق الى قصر بعبدا يمكن قطعه بالصمود السياسي والثبات على ترشيحه، مفترضاً ان الوقت سيتكفل بالنصف الآخر، خصوصاً إذا كانت التطورات المحلية والإقليمية تصب، وفق ما يعتقده، في اتجاه تليين عضلات المتصلبين الذين لا يزالون يقاومون خيار انتخابه.
وأغلب الظن، ان المراهنين على عون لم يكونوا يحتاجون الى أفضل مما خبّأته لهم الأيام الماضية حتى يزدادون قناعة بأن “فيلم الرئاسة الهندي”، بكل ما حمله من معاناة، يقترب من النهاية:
- السفير السعودي علي عواض عسيري يدعوه الى حفل العشاء الذي أقامه مؤخراً في السفارة مع ما تعكسه هذه الدعوة من اشارة ولو رمزية الى بداية انفتاح سعودي عليه بعد مرحلة من التوتر والتشنج في العلاقة الثنائية.
- النائب وليد جنبلاط الذي تنطوي مواقفه في المحطات المفصلية على مؤشرات تتجاوز شخصه الى دلالات أبعد، يبدي مرونة حيال ترشيح عون.
- الوزير نهاد المشنوق يعتبر أن دعوة رئيس “المستقبل” للسيد حسن نصرالله لجمع ميشال عون وسليمان فرنجية خطوة ايجابية باتجاه الرابية.
والرئيس سعد الحريري الذي يُعتبر من معرقلي انتخاب “الجنرال” يتعرض لانتكاسات سياسية وانتخابية أفضت الى اضعافه وبالتالي الى تراجع وهج مبادرته القاضية بترشيح النائب سليمان فرنجية، وهناك في “التيار الحر” من يفترض ان الحريري بات يستعجل اكثر من اي وقت مضى وصوله الى رئاسة الحكومة حتى يلملم تياره وشعبيته من موقع القوة بعد التصدعات التي تسببت بها الانتخابات البلدية، ما سيدفعه الى القبول بانتخاب “الجنرال” لانه يعرف ان هذه هي الطريقة الوحيدة لطرق ابواب السرايا الكبيرة مجددا.
صحيح، ان هذه المعطيات لا تشكل في مجموعها قوة دفع كافية لتوليد الطاقة الرئاسية بين ليلة وضحاها، لكن المتحمسين لـ “الجنرال” لا يحتاجون الى اكثر منها في هذه المرحلة من أجل التفاؤل بالمستقبل.
ويعتبر هؤلاء ان النقاط التي يجمعها عون في معركة السباق الى قصر بعبدا، ما كانت في معظمها لتتوافر بحوزته لولا مصالحة “التيار” و “القوات” التي أربكت، برأيهم، فريقي 8 و14 آذار،”بل لعلها أسقطت علة وجودهما بعدما فرضت نسقا آخر من التحالفات والتقاطعات”.
ويذهب العونيون المتحمسون لتفاهم معراب في قياس مفاعيله الى حد التأكيد انه ترك تأثيرا على المعادلة الاقليمية التي تتحكم بمفاتيح الأَقفال في لبنان، مشيرين الى ان هذا التأثير يسري سواء عبر “سلك” علاقة جعجع مع السعودية او عبر تحالف عون مع “حزب الله” وما يمثله من حليف إستراتيجي لايران.
ويؤكد أصحاب هذه النظرة أنه من الخطأ الحكم على مدى نجاح التحالف او اخفاقه قياسا الى ما أنجزه في الانتخابات البلدية حصراً، لأنها ليست في صميم “المنهاج” المشترك المعتمد من قبل الرابية ومعراب، لافتين الانتباه الى ان التحالف بين “التيار” و”القوات” وُلد في الاساس من أجل استعادة الحضور المسيحي الوازن في القرار، على كل المستويات، وهذا ما بدأ يتحقق بشكل تراكمي، بعد فترة الكمون والانسحاق التي تلت المباشرة في التنفيذ الاستنسابي والانتقائي لاتفاق الطائف.