منذ أن بدأت أزمة اللاجئين السوريين بالتفاقم، غُيّب اللاجئون الفلسطينيون عن المشهد العام في لبنان، وتركّز اهتمام الجمعيات الإغاثية والدولة على الهاربين من الحرب السورية، متناسين نحو 280 ألف لاجئ فلسطيني ما زالوا محرومين من معظم حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية ما يؤدي الى إفقارهم ووضعهم في ظروف صعبة من دون أي مساعدة
عام 2010 أطلقت الجامعة الأميركية في بيروت دراستها الشاملة عن الحالة الاجتماعية والاقتصادية والديمغرافية للاجئين الفلسطينيين في لبنان.
بعد 5 سنوات تبدّلت الأوضاع كثيراً في ظل انضمام فئة جديدة من اللاجئين الى “اللاجئين القدامى”، فتدفّق الى لبنان أكثر من مليون ونصف مليون لاجئ سوري، إضافة الى 42 ألف لاجئ فلسطيني أتوا من سوريا.
إثر هذه التبدلات، أطلقت الجامعة الأميركية دراسة جديدة أعدتها بالنيابة عن وكالة غوث اللاجئين – الأونروا، حول “الحالة الاقتصادية والاجتماعية للّاجئين الفلسطينيين في لبنان، 2015 “، قُسمت إلى قسمين: الجزء الأول مخصص للاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان منذ زمن، والجزء الثاني يتعمّق في دراسة أوضاع اللاجئين الفلسطينيين القادمين من سوريا.
الفقر يسيطر على المخيمات
يبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين في سجلات الأونروا نحو 496 الف لاجئ، إلا أنّ العدد الفعلي الذي بقي في لبنان يتراوح بين 260 ألفاً الى 280 ألف لاجئ، وفق الدراسة. 63% من اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان يقطنون داخل المخيمات التي يبلغ عددها 12 مخيماً، في حين يقطن 37% خارج المخيمات. يقع أكبر تجمع للفلسطينيين المقيمين في لبنان في الجنوب، وتحديداً مخيمي عين الحلوة في صيدا (15%) والرشيدية في صور (12%). في حين يستضيف البقاع النسبة الاقل من اللاجئين البالغة 4%، ومحافظة الشمال تستضيف 20% من اللاجئين مقابل 24% في بيروت وجبل لبنان.
أمّا القادمون من سوريا، فقد وصل غالبيتهم الى لبنان عامي 2012 (37%) و2013 (48%)، واستقر 55% منهم في المخيمات الموجودة (14% منهم لجأوا الى عين الحلوة)، فيما توزّع الباقون خارج المخيمات.
مقارنة بعام 2010، انخفضت معدلات الفقر المدقع لدى الفلسطينيين المقيمين في لبنان من 6.6% الى 3.1 % عام 2015. إلّا أنّ معدلات الفقر العام لا تزال نفسها على مدى الأعوام الخمسة بنسبة 65%، في ظل تغيرات بنسب الفقر حسب المناطق، إذ انخفضت نسبة الفقر العام في صيدا بنسبة 8% وفي صور بنسبة 9%، في حين ارتفعت في الشمال بنسبة 11%. من حيث العدد السكاني، يعني هذا الأمر أنّ 168 ألف لاجئ لا يتمكنون من تأمين الغذاء والحاجات الاساسية، مقابل 7000 لاجئ لا يؤمنون أبسط المكونات الغذائية. فمتوسط إنفاق الفرد الفلسطيني يبلغ 195 دولاراً في الشهر، أي أقل بكثير من متوسط إنفاق اللبناني البالغ 429 دولاراً شهرياً. الثابت الأكيد الذي ترصده الدراسة هو أنّ نسب الفقر العام والفقر المدقع مرتفعة أكثر لدى اللاجئين القاطنين داخل المخيمات من القاطنين خارجها. وفي ما يخص اللاجئين القادمين من سوريا، تبلغ نسبة الفقر المدقع بينهم 9%، مقابل 89% يعدّون فقراء إذ يبلغ متوسط إنفاق الفرد 140 دولاراً بالشهر. وعليه تشير الدراسة الى ان الفرص الاقتصادية لهذه الفئة ضرورية جداً لتخفيف الفقر لديهم حتّى ولو تأمنت عبر اقتصاد غير منظم.
المستوى العلمي والبطالة: ازدياد متوازٍ
تلحظ الدراسة أن معدلات الالتحاق بالتعليم مرتفعة لدى اللاجئين المقيمين في لبنان، في حين نجدها منخفضة لدى اللاجئين القادمين من سوريا. لكن هذه النسبة المرتفعة لا تحدّ من نسبة البطالة، فقد ارتفعت نسبة العاطلين عن العمل من 8 % عام 2010 الى 23.2 % عام 2015، في حين لا يزال معدل البطالة بين اللاجئين الفلسطينيين القادمين من سوريا ينذر بالخطر اذ يبلغ 52.5 %، ولا تدخل الدراسة في أسباب ارتفاع نسبة البطالة بهذا الشكل، إلا أنها تذكر بالقيود المفروضة على عمل اللاجئين الفلسطينيين من قبل الدولة اللبنانية. فأقل من 14% من اللاجئين لديهم عقد عمل، في حين أن الغالبية الساحقة من القوى العاملة الفلسطينية تعمل بشكل غير رسمي. يوظّف القطاع الخاص 77% من اللاجئين العاملين، الأونروا 4.6% ومنظمات المجتمع المدني 3.8%، في حين أن أكثر من 70% من القوى العاملة تقوم بوظائف لا تحتاج الى مهارات، ونحو نصفهم يتلقون أجراً يومياً. كما أن 36% من الأسر تعتمد على القروض للعيش.
ينعكس هذا الأمر على الوضع الصحي للاجئين الذين يعتمدون على خدمات الاونروا الصحية، وأبلغ 63 % من المقيمين أن فرداً واحداً من أسرتهم على الأقل يعاني من مرض حاد، في حين تصل النسبة الى 75 % عند اللاجئين القادمين من سوريا. تلاحظ الدراسة أن الظروف الصحية تتحسن كلما ازداد التحصيل العلمي ومستويات العمل.
وفي ما يتعلق بالأمن الغذائي المنعدم، لم يختلف الوضع عن عام 2010، اذ يتمتع 38 % فقط من اللاجئين المقيمين بالأمن الغذائي، فيما يعاني 38% منهم من انعدام الأمن الغذائي المتوسط، و24% من انعدام الأمن الغذائي الحاد. أما القادمون من سوريا، فـ6% فقط منهم يتمتعون بالأمن الغذائي المتوسط ويعاني 63% من انعدام الأمن الغذائي الحاد.