كتب نقولا ناصيف في صحيفة “الأخبار”:
لا احد يتوقع، بعد الانتخابات البلدية والاختيارية، مبادرة الكتل النيابية الرئيسية بختم الولاية الممددة لمجلس النواب قبل اوانها في حزيران 2017. مع ذلك تنقسم على الاولوية: انتخاب الرئيس أم البرلمان الجديد؟
في استحقاق 2008، ابان الاشهر الستة من الشغور الرئاسي، نُظر الى المادة 74 من الدستور على انها مخرج ملائم احيط بكمّ كبير من الاستفسار والتساؤل والشكوك في صواب تطبيقها. كانت المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس انقضت.
قيل حينذاك ان المادة 73 القائلة بانتخاب الرئيس ضمن المهلة الدستورية ترتبط مباشرة بالفقرة الثانية من المادة 49 التي تشترط لانتخاب موظف كبير، كقائد الجيش، استقالته المبكرة من منصبه قبل سنتين او تعديل الدستور. تالياً، بحسب ذلك الرأي، يصح تطبيق المادة 49 حصراً في حال تطبيق المادة 73 بغية تبرير الهروب الى انتخاب الرئيس وفق المادة 74 وتجنب تعديل الدستور.
في مخرج المادة 74 التي تتحدث عن خلو سدة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس او استقالته او سبب آخر، ما يقتضي اجتماع المجلس فوراً بحكم القانون لانتخاب خلف له ــــ وهو ما طبقته تسوية الدوحة بانتخاب الرئيس ميشال سليمان ــــ هرب الاستحقاق من الشرط المقيّد الوارد في المادة 49، وتحديداً تعديل الدستور. الى اليوم ثمة مَن يقول ان انتخاب سليمان كان غير دستوري لتجاوزه قيد المادة 49. مغزى هذا الموقف ان المادة 74 تعنى بالانقطاع المفاجىء كوفاة الرئيس او استقالته او سبب آخر (عجزه او فقدانه في الجو او البحر او على الارض)، لا بالدورة الطبيعية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية ترعاها المادة 73 عندما تحدد مهلة شهرين لانتخابه، وتلزم رئيس مجلس النواب دعوة الهيئة الناخبة خلالهما كي لا يفقد حقه في توجيه الدعوة حتى اليوم العاشر الذي يسبق نهاية ولاية الرئيس الحالي، فيلتئم البرلمان حكماً. تالياً تختص المادة 73 بما يسبق شغور المنصب قبل الوصول الى الشغور المتعمد والمفتعل، وتختص المادة 74 بالشغور المباغت.
رمت حجة استحقاق 2008 الى ان المهلة الدستورية انقضت، فانقضى معها شرط تعديل الدستور ووقع الشغور. فليذهب الجميع اذن الى المادة 74.
قبل عام 2008 لم يسبق ان اختبر لبنان تطبيقاً دستورياً للمادة 74 سوى ثلاث مرات اقترنت بالشروط التي اوردتها المادة نفسها: اولى في 23 ايلول 1952 لانتخاب الرئيس كميل شمعون خلفاً للرئيس بشارة الخوري بعد استقالته في 18 ايلول، والاخريان بعد اغتيال رئيسين للجمهورية، 21 ايلول 1982 بانتخاب الرئيس امين الجميل خلفاً لشقيقه الرئيس بشير الجميل بعد اغتياله في 14 ايلول، و24 تشرين الثاني 1989 بانتخاب الرئيس الياس هراوي خلفاً للرئيس رينه معوض بعد اغتياله في 22 تشرين الثاني.
كان ذلك ما توخته المادة 74، على طرف نقيض مما حصل عام 2008 والتذرع بها بالالتئام الفوري، بغية امرار انتخاب قائد الجيش آنذاك بلا تعديل دستوري.
اليوم تعود المادة 74 الى الصدارة مجدداً بمشكلة مختلفة.
رغم انها في فقرة واحدة، الا ان للمادة 74 شقين مختلفين.
تقول: “اذا خلت سدة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس او استقالته او سبب آخر، فلأجل انتخاب الخلف يجتمع المجلس فوراً بحكم القانون. واذا اتفق حصول خلاء الرئاسة حال وجود مجلس النواب منحلاً تدعى الهيئات الانتخابية من دون ابطاء ويجتمع المجلس بحكم القانون حال الفرغ من الاعمال الانتخابية”.
ثمة مَن يريد تحميل المادة 74 وقوداً لمعركة سياسية جديدة ترمي الى قلب الاولويات، باجراء انتخابات نيابية عامة يليها انتخاب البرلمان الجديد رئيس الجمهورية.
يستند المنادون بالمعركة السياسية الجديدة الى بضعة معطيات تتمحور كلها حول قرار المجلس الدستوري الصادر في 28 تشرين الثاني 2014، الذي رد مراجعة ابطال قانون تمديد ولاية مجلس النواب، واقرن الرد بمبادىء يُنظر اليها على انها ملزمة للسلطات الرسمية لسببين على الاقل: اولهما ان المبادىء تلك تمثل جزءاً لا يتجزأ من القرار ومن تبرير موافقته المشروطة على التمديد، وثانيهما ان قانوني انشاء المجلس الدستوري ونظامه الداخلي يؤكدان ان قراراته ملزمة للسلطات العامة.
ما يستند اليه المنادون هؤلاء:
1 ــــ ينص المبدأ الرابع في قرار المجلس الدستوري على اجراء الانتخابات النيابية فور انتهاء الظروف الاستثنائية، وعدم انتظار انتهاء الولاية الممددة. بذلك لا يقتصر هذا البند على طلب اجراء الانتخابات النيابية فحسب، بل يربط انتهاء الولاية الممددة بانتهاء الظروف الاستثنائية.
2 ــــ بنى المجلس الدستوري قرار الموافقة على التمديد على ما ادلت به السلطات الرسمية، من ان ثمة ظروفاً استثنائية لا تسمح للمراجع المولجة اجراء الانتخابات النيابية قبل نهاية الولاية التي سبق تمديدها عام 2013. على ان اعلان السلطات الرسمية، واخصها وزارة الداخلية والبلديات، انتهاء الانتخابات البلدية والاختيارية بلا ادنى حادث امني يعكرها يزيل تماماً التدابير الاستثنائية (التمديد) الناجمة عن الاخذ بالظروف الاستثنائية. وهو ما تناوله المبدأ الثالث بالقول ان التدابير الاستثنائية ينبغي ان تقتصر على المدة التي توجد فيها ظروف استثنائية فقط. بذلك يكون تمديد ولاية المجلس التي تنتهي في 20 حزيران 2017 انتهى فعلياً مع سقوط مبرراته.
3 ــــ عملاً بما يقول به المجلس الدستوري عن انتهاء الولاية الممددة تلقائياً بعد زوال الظروف الاستثنائية على نحو ما اكده اجراء الانتخابات البلدية والانتخابية، ما يفسح في المجال امام انتخابات نيابية عامة، لا حاجة الى قانون يصدر عن مجلس النواب بتقصير الولاية على غرار سابقة 1992. سقطت الولاية الممددة من تلقائها، ووجب الذهاب الى انتخابات نيابية عامة.
4 ــــ ان الولاية الممددة للمجلس ليست ولاية طبيعية (4 سنوات) كي تحتاج الى قانون يقضي بتقصيرها، بل هي ولاية استثنائية اوجبتها الظروف الاستثنائية التي هي قوة قاهرة ــــ وفق ما صرحت به السلطات السياسية ــــ لتجنيب السلطة الاشتراعية الوقوع في الفراغ الكامل ما ان تنتهي الدقيقة الاخيرة من الولاية.
5 ــــ ما دامت الولاية الممددة انتهت، بات مجلس النواب في شغور مشابه لشغور الرئاسة، ما يجعلهما في حال مطابقة اوردتها المادة 74 عندما تكلمت، والحال هذه، عن دعوة الحكومة الهيئات الانتخابية الى انتخاب مجلس نيابي جديد يشرع بدوره فور انتخابه في انتخاب رئيس للجمهورية.