Site icon IMLebanon

حملة مكافحة الفساد الغذائي .. هل تستمر؟


خضر حسان

انطلقت حملة مكافحة الفساد الغذائي بزخم كبير واكبته الوسائل الإعلامية اللبنانية. وراقبها المواطنون على أمل أن تحد من المخاطر المرتبطة بلقمة عيشهم وصحتهم. لكن الوقت كان كفيلاً بخفض الزخم وإنحسار صوت الحملة بإقفال مطعم هنا أو ملحمة هناك. أما الحديث عن مكافحة حقيقية للفساد، فمات على أعتاب الغطاءات السياسية التي تقدمها الأحزاب والمتنفذون، وبعض النواب والوزراء.

التراجع الذي أصاب الحملة لم يعنِ خلوّها من الإيجابيات، بل ومن الإنجازات التي تمثّلت بكسر حاجز الصمت لدى المواطن حيال إستخفاف أصحاب المطاعم والمقاهي وحتى المستشفيات، بالتدابير المطلوبة لضمان نظافة الطعام والمكان وحمايتهما، وبالتالي صحة المستهلك. فالمواطن بات يكشف عن أي خلل يصادفه في مثل تلك الأماكن. أما “المتهمون” بالفساد الغذائي، فيسارعون إلى “تسوية” أوضاعهم خوفاً من العقاب.

غير أن هذه الصورة تنحصر بـ”الصغار”، ما دفع المواطنين إلى التململ، وعدم الثقة، فباتوا يغضون الطرف عن التبليغ، ويكتفون بمقاطعة هذا المطعم أو ذاك. والمؤسف أن هذا الواقع مستمر بغياب القاعدة القانونية التي تعطي القوة لمثل هذه الحملات التي يفترض ألا تقتصر على “فكرة المراقبة وإقفال محال نصنفها بأنها غير مطابقة- مع أن هذا الجانب مطلوب- وأجبر كثير من المؤسسات على تحسين شروط عملها ونظافتها ووضعها في قلق المراقبة الدائمة. فخلوّ الحملة من تحديث القوانين، يُفقدها تأثيرها الأقوى”، وفق ما تقوله إلى “المدن” رئيسة قسم مراقبة وسلامة الغذاء في “جمعية المستهلك” ندى نعمة، التي تشير إلى ضرورة “تطبيق قانون سلامة الغذاء بعد إقراره، وإشراك البلديات بشكل فاعل في الحملة”.

ما يواجه الحملة من إخفاقات يعكسه الطابع السياسي المرتبط بها منذ إنطلاقتها، إذ إن الشرارة الأولى إنطلقت من جهة سياسية تجاه دائرة مغلقة من الأشخاص، حولها، وتطورت إلى حملة مكافحة الفساد الغذائي عبر وزارة الصحة. ومع وجود فساد في إدارات ووزارات الدولة، إلا أن الشق الغذائي وحده الذي تابع سيره بسهولة، على عكس الشق المالي والطبي.

إنطلاقاً من ذلك، يصبح ضرورياً التمييز بين ضمان سلامة الغذاء ومكافحة الفساد، فالعملية الأولى تتأكد من صحة الغذاء ومطابقته للمواصفات الصحية المطلوبة، لكن العملية الثانية أشمل، وتتضمن البحث عن المتهم بالعبث في سلامة الغذاء وفي قضايا الفساد الأخرى. والحملة التي تقودها وزارة الصحة، لم تتعمق في الشق الثاني، لأنها وقفت عند حدود “الرؤوس الكبيرة” المتهمة بالفساد، والمرتبطة بالطبقة السياسية بشكل أو بآخر. ما يعني أن حملة وزير الصحة وائل أبو فاعور لم تصل إلى مكافحة الفساد ومعاقبة الفاسدين، بل انحصرت بالبحث حول سلامة الغذاء بنطاق محدد أيضاً.

ومن المعروف أن الوزارات قادرة، وتقوم بالعملية الأولى، لكنها لا تتعدى ذلك إلى العملية الثانية رغم وجود نسب كبيرة من الفساد، خصوصاً في وزارات المال، الداخلية، الطاقة والصحة. ففي المال هناك ملفات الجمارك والتهرب الضريبي وغيرها، وفي الداخلية لا يتوقف الأمر عند الرشى والسمسرات، أما الطاقة، فحدّث ولا حَرَج، إذ يمتد ملف الفساد من مؤسسة كهرباء لبنان إلى قطاع النفط والغاز الذي لم يبصر النور على أرض الواقع. وصولاً إلى وزارة الصحة وقطاع الدواء والإستشفاء حيث تُفتح مُغر “علي بابا” وآلاف الفاسدين داخل الوزارة وخارجها. وفي الإطار عينه، يحق للمواطن السؤال عن سبب عدم نشر وزارة الصحة لأسماء الأدوية التي تستورد بموفقة ومراقبة الوزارة، وعدم نشر الإتفاقيات المعقودة مع الشركات، ومع وزارات الصحة في الدول المستورد منها. فعندها يعلم المواطن هوية الأدوية بوضوح، وتنفذ الوزارة خطوة الشفافية المطلوبة كشرط أوّلي لمكافحة الفساد، لأن مستوى الفساد يتراجع أو يرتفع بمعادلة عكسية مع الشفافية، فكلما إنخفضت الشفافية إرتفع الفساد، والعكس صحيح.

في المحصلة، فإن حملة مكافحة الفساد الغذائي مستمرة، لكن بشكل فلكلوري يبتعد عن مكافحة الفساد. ولعل حصر الحديث في الشأن الغذائي “يحمي” الحملة من ثقل المسؤوليات المتعلقة بمكافحة الفساد عموماً، لكنه لا يحميها من مسؤولية ملاحقة كبار الفاسدين في ملف الغذاء.