أكدت مصادر دولية مواكبة لعمل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لصحيفة “الحياة” أن وفاة المتهم الأول القيادي العسكري في “حزب الله” مصطفى بدر الدين، سواء أثبتت أم لا، “لن تعيق أو تؤخر عمل المحكمة، لا سيما لجهة إثبات ضلوعه بالتهم الموجهة إليه في تدبير اغتيال الرئيس السابق لحكومة لبنان رفيق الحريري”.
وشددت المصادر على أن وفاة بدر الدين، التي لم تثبت بعد أمام المحكمة، لن تعني توقف التحقيق أو تأخيره لأن هناك ٤ متهمين آخرين، و٣ اعتداءات متصلة باغتيال الحريري، استهدفت كلاً من النائب مروان حمادة والأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني جورج حاوي والوزير السابق الياس المر.
ولم تتقدم المحكمة حتى الآن بأي طلب رسمي إلى الحكومة السورية للاستيضاح عن صحة ما أُعلن عن وفاة بدر الدين أثناء وجوده على الأراضي السورية، علماً أنه المطلوب الأول للمحكمة بتهمة تدبير عملية اغتيال رفيق الحريري وتنفيذها.
وإلى جانب بحث مسؤولية الحكومة السورية في مسألة التعاون مع المحكمة، طرح مراقبون لعمل المحكمة أسئلة عن “قوة مبرر استمرارها وفاعليتها في حال ثبوت وفاة أبرز المتهمين بارتكاب الجريمة التي قامت المحكمة لتتصدى لكشف فاعليها”، علماً أن المحكمة “تستهلك موازنة كبيرة” وفق تقويمهم.
وقالت الناطقة باسم المحكمة وجد رمضان للصحيفة نفسها إن مكتب المدعي العام في المحكمة “يتحرك على وجه السرعة لتقديم أدلته في قضية عياش وآخرين، ضد المتهمين الخمسة بالمسؤولية الجرمية عن الاعتداء”. لكنها أضافت، في مقابلة عبر البريد الإلكتروني، إنه في حال إثبات وفاة أحد المتهمين، فإن “الإجراءات القضائية ستستمر في شأن المتهمين المتبقين، فضلاً عن الاعتداءات الإرهابية الثلاثة الأخرى التي وُجد أنها مرتبطة بالاعتداء على الحريري”. ولفتت إلى أن مكتب الادعاء في المحكمة طلب معلومات حول التقارير عن وفاة بدر الدين من السلطات اللبنانية فقط، علماً أن لديه صلاحية الاتصال بالسلطات السورية لطلب تعاونها في هذا الإطار. وأضافت أن “مكتب الادعاء قال خلال جلسات الاستماع الأسبوع الماضي إنه أرسل إلى المدعي العام اللبناني طلبات للمساعدة في كشف معلومات وأدلة حول الوفاة المزعومة، ويتوقع أن يحصل على إجابات”. كما نقلت عن مكتب الادعاء قوله خلال جلسات الاستماع أن “المدعي العام اللبناني يعمل بجد لتقديم إجابات”.
وعن مسؤولية الحكومة السورية في التعاون مع المحكمة وعما إذا كانت المحكمة تعتزم الاتصال بالسلطات القضائية السورية لطرح أسئلة بشأن وفاة بدرالدين في سوريا، بينت رمضان “أن المحكمة تعمل الآن على إثبات الوفاة، كإجراء أول، على أن يُترك إجراء الاتصال بالحكومة السورية إلى شأن منفصل”. ولم تُحدد ما إذا كان سيتم أو لا.
وقالت رمضان رداً على سؤال عما إذا كانت الحكومة السورية واحدة من الجهات التي وجهت إليها المحكمة أسئلة حول وفاة بدر الدين في سوريا، إن مكتب المدعي العام “يتوقع أن يحصل على إجابات من المدعي العام اللبناني” حصراً.
وعما إذا كانت المحكمة مخولة تقديم طلب التعاون أو تسليم متهمين إلى دولة أخرى، غير لبنان، أكدت رمضان أن للمحكمة صلاحية أن تطلب من دولة أخرى “توقيف وتسليم أي متهم” ولكن “هذه الدولة الأخرى غير ملزمة التعاون مع المحكمة” قانوناً.
ووفق رمضان، حتى في حال عدم تعاون تلك الدولة مع المحكمة، فإن رئيس المحكمة “يمكن أن ينخرط في مشاورات مع سلطات مخولة من تلك الدولة بهدف الحصول على التعاون المطلوب”.
وعما إذا كانت المحكمة تعتزم الطلب من الحكومة السورية بشكل ثنائي البدء بمثل هذا التعاون، قالت رمضان إن هيئة المحكمة، بالنسبة إلى التقارير عن وفاة بدر الدين، “أُبلغت أن مكتب المدعي العام يتوقع أن يتلقى رداً من السلطات اللبنانية” على أسئلة وجهها في شأن الوفاة المزعومة “ومن المبكر التكهن في شأن قنوات أخرى” قد يسلكها الادعاء “قبل معرفة ما إذا كان هذا الأمر سيطرح داخل قاعة المحكمة”.
وعما إذا كانت المحكمة تعتزم طلب دعم الأمم المتحدة أو مجلس الأمن للحصول على معلومات في شأن وفاة بدر الدين، قالت رمضان إن “التكهن بذلك أمر غير مناسب الآن، قبل أن تصدر المحكمة قرارها الذي يؤكد اقتناع قضاتها بأن وفاة بدر الدين أُثبتت”. وشددت على أن المسـؤولية تبقى قائمة في جميع الحالات على “السلطات اللبنانية لمواصلة البحث عن المتهمين وتوقيفهم ونقلهم إلى لاهاي”.
وأشارت رمضان إلى أن المحكمة منكبة الآن على البحث في “نوع الأدلة المطلوبة التي يمكن أن يُعتد بها لإثبات وفاة بدر الدين”، وإلى أن “قضاة المحكمة سيصدرون رأيهم النهائي في مسألة الوفاة في قرار مكتوب ومعلل، وهو لم يصدر بعد”.
وقالت إن كلاً من مكتب الادعاء والدفاع والممثل القانوني عن بدر الدين “قدم أدلته أمام هيئة المحكمة خلال جلسة الاستماع في ١٧ أيار الماضي بعد التقارير الإعلامية عن وفاة بدر الدين”، لكن على رغم ذلك “أصدرت هيئة المحكمة قرارها الشفوي” بعدم اقتناعها بإثبات الوفاة. وأكدت في الوقت نفسه أن “مسألة إثبات وفاة المتهم بالأدلة المطلوبة هي في صلب الإجراءات الحالية أمام هيئة المحكمة”.
وعن أهمية استمرار عمل المحكمة ومبرر وجودها، قالت رمضان إن “المحكمة ملتزمة أداء ولايتها، ولم تفقد مبرر استمرارها لأن المحاكمة ستستمر تحت أي ظرف ضد المتهمين المتبقين”، في حال إثبات وفاة بدر الدين، الذي لا يزال بالنسبة إلى المحكمة على قيد الحياة إلى حين إثبات وفاته بالأدلة.
وبالنسبة إلى وفاة المتهم الرئيسي، قالت: “هذا سيناريو افتراضي ومن غير المناسب تماماً التكهن في شأن هذا الاحتمال”. وأكدت أن “المحكمة تبقى ملتزمة أداء ولايتها، ونحن فخورون بأن عملنا يتواصل لمساعدة تغيير ثقافة الحصانة في لبنان، ونحن مواظبون على جهودنا لنثبت أن العدالة يمكن أن تتحقق لأجل الضحايا والمكونات اللبنانية”.
وعن تشكيك جزء من الرأي العام اللبناني بجدوى المحكمة أو ضرورة استمرارها قالت رمضان إن “قياس مدى نجاحنا أمر صعب قبل الوصول إلى نهاية المحاكمة، وما علينا سوى فعل أفضل ما في وسعنا للقيام بمهمتنا. ومن المبكر جداً الخروج بأي خلاصات” في هذا الشأن. وأكدت أن أولوية المحكمة الآن “تركيز كل جهودنا على إجراء محاكمة عادلة وشفافة وسريعة للمتهمين بارتكاب اعتداء 14 شباط (فبراير) ٢٠٠٥”.
وكان الناطق باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك قال بعد إعلان مقتل بدر الدين إن “على كل الحكومات بما فيها الحكومة السورية أن تتعاون بالكامل مع المحكمة” وهو أمر “يتوقعه الأمين العام بان كي مون من هذه الحكومات”.