قررت اللجان النيابية المشتركة المعنية بمناقشة قانون الانتخاب الهروب مرة أخرى الى الامام بعدما ضاقت خياراتها، وبالتالي تأجيل جلستها المقبلة حتى 22 حزيران الحالي، أي في اليوم التالي لانعقاد جلسة الحوار المقررة في 21 منه.
وكتبت صحيفة “السفير”: “لم يعد النقاش بين النواب مفيدا، ليس فقط على مستوى السعي الى تحقيق اختراق في جدار الخلافات العميقة، وإنما حتى على مستوى آليات البحث بحد ذاتها، ما دفع أحد “المحبطين” الى القول ان مداولات اللجان تكاد تكون أقل من عادية في مواجهة ملف أكثر من حيوي، فيما ذهب نائب آخر في “اعترافاته” الى حد التأكيد بأن النقاشات عبثية، الى درجة انها لا تنفع ولو لاجراء رياضة ذهنية!
يدخل النواب الى اجتماعات اللجان، من دون ان يكون أي منهم مفوضا من مرجعيته بتقديم تنازل او اجتراح فكرة مبتكرة. لا ضوء أخضر ولا اصفر لملاقاة الآخرين في منتصف الطريق، بل الكل يأتي مزنرا بأحزمة الافكار المسبقة والاحكام الجاهزة، فيعيد انتاج الادبيات الممجوجة ذاتها، ويدور حول نفسه وحول الآخرين في حلقة مفرغة، لغياب القرار السياسي بانجاز التسوية.
بالامس سقط آخر الاوهام التي ربما تكون قد راودت بعض الرومانسيين، في لحظة ما، حيال مهمة اللجان المشتركة وقدراتها، وتأكد مرة أخرى ان الحل يكمن في الارادة السياسية وليس في النقاش التقني، وان المفتاح بيد الاقطاب وليس بحوزة النواب. هذا ما عبر عنه النائب روبير غانم بقوله صراحة، ومن دون لف ودوران، إن طالقيادات هي التي تقرر واللجان تنفذ”.
والمشكلة، ان القيادات لم تقرر بعد، بفعل صعوبة التوفيق بين مصالحها المتضاربة وطموحاتها المتعارضة التي تفوق في أحيان كثيرة ما تستوجبه الأحجام الموضوعية. لم تنفع حتى الآن كل “التعويذات” الانتخابية في طرد شياطين الهواجس من مخابئها: لا النسبية الكاملة، ولا المختلط بأنواعه، ولا الارثوذكسي، ولا مشروع حكومة ميقاتي.. وكأنه لا مفر في نهاية المطاف من قدر “الستين” وقضائه.. على آخر تطلعات التغيير.
وما زاد الموقف تعقيدا، ان معظم الاطراف باتت تقارب قانون الانتخاب وهي مسكونة بأشباح الانتخابات البلدية، ومثقلة بمؤشراتها العريضة، على الرغم من محاولة الايحاء بان لا رابط بين الاستحقاقين، وبان ما يسري على البلدية لا ينطبق على النيابية.
وإذا كان قد خيض، في الأسبوع الماضي، نقاش للمرة الأولى في الاقتراح المختلط، سعيا الى التوفيق بين مشروع الرئيس نبيه بري ومشروع “المستقبل” و “القوات” و “الاشتراكي”، إلا أن الجدار الذي اصطدم به النواب حينها، ولم يتمكنوا من تخطيه حتى اليوم، هو غياب وحدة المعيار، والاستنسابية في مقاربة مسألتي تقسيم الدوائر وتوزيع المقاعد بين الاكثري والنسبي، تبعا لما يلائم هذا الفريق او ذاك.
وهكذا، اهتزت دعائم التقاطع الوحيد الذي أنجز في اللجان (مناقشة القانون المختلط حصراً)، وأعيد فتح سوق عكاظ، فطُرح مشروع حكومة ميقاتي القائم على النسبية وفق 13 دائرة، فيما اقترح غانم العودة إلى اتفاق الطائف الذي ينص على استحداث مجلس للشيوخ مع مجلس نيابي خارج القيد الطائفي، وطرح النائب سامي الجميل صيغة توفق بين اقتراحه والمختلط (النسبية على أساس المحافظات الخمس، وصوت واحد لكل منتخب وفق الأقضية بعد إعادة النظر بها).
ولعل الاشارة الاوضح الى نمط التفكير الذي يقود النقاش، ورود كلام في اجتماع اللجان أمس حول ضرورة احترام “كيانات” بشري والبترون وصيدا في أي قانون انتخابي، قبل ان يجري تخفيف الوطأة من خلال استبدال “الكيانات” بـ “الخصوصيات”.
الى ذلك، علمت “السفير” ان لقاء جانبيا، لافتا للانتباه، عقد على هامش اجتماعات اللجان، في أحد صالونات المجلس النيابي، ضم كلا من رئيس “حزب الكتائب” النائب سامي الجميل، النائب علي فياض عن “حزب الله”، النائب ابراهيم كنعان عن “التيار الوطني الحر”، والنائب جورج عدوان عن “القوات اللبنانية”.
وجرى خلال هذا اللقاء التداول في ما آلت اليه نقاشات اللجان المشتركة وسبل ردم الهوة بين الاطراف الداخلية للوصول الى قانون موحد، ما دفع أوساطا سياسية الى التساؤل عما إذا كان هناك شيء ما يُحضّر في الكواليس، في محاولة لايجاد تقاطعات معينة وكسر المراوحة المزمنة.
وأوضح الرئيس نبيه بري امام زواره أمس ان اجتماعات اللجان المشتركة لم تؤد الى أي نتيجة بعد، ولا تزال تراوح في مكانها، مشيرا الى انه سيطرح الامر على اجتماع طاولة الحوار الوطني في 21 حزيران الحالي، حتى يتحمل الجميع مسؤولياتهم.
واعتبر بري ان هناك هدرا غير مقبول وغير بريء للوقت، معربا عن اعتقاده بان البعض يتعمد استدعاء قانون “الستين” الى الخدمة مجددا.
وشدد على ضرورة فعل المستحيل لتجنب العودة الى “الستين”، لافتا الانتباه الى انه يؤيد كل ما يؤدي الى اعتماد النسبية التي باتت تشكل ضرورة وطنية وملحة، تتجاوز الحسابات والمصالح الخاصة.
وأكد بري انه لن يقبل بأي تمديد آخر للمجلس النيابي، مهما كانت الظروف، والانتخابات النيابية ستتم ولو قامت القيامة، ومن يفترض ان الاخفاق في التوصل الى قانون جديد سيدفع في اتجاه التمديد هو واهم، مشيرا الى ان الانتخابات البلدية تمت بنجاح على مدى شهر، برغم التهديدات الامنية التي سبقتها او رافقتها، وبالتالي فان التجربة ذاتها يمكن ان تتكرر على مستوى الاستحقاق النيابي.
وعُلم ان نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري اتصل ببري وقال له ما معناه: ما يجري في اللجان ليس نقاشا صحيا، بل اقرب الى “حمّام مقطوعة ميتو..”.
وطلب مكاري موعدا عاجلا من بري الذي سيلتقيه اليوم في عين التينة.