Site icon IMLebanon

منطقة اليورو لا تستطيع تجنّب الاتحاد سياسيا وماليا

Draghi-ECB
فولفجانج مونشاو

إذا كانت أداتك الوحيدة هي مطرقة، فإن كل مشكلة هي مسمار. إذن، ليس من المستغرب أن كثيرا من مختصي الاقتصاد يعتبرون مشكلة منطقة اليورو كأنها في الأساس مشكلة تأمين – مشكلة فنية بحاجة إلى إصلاح فني. ليست هناك جوائز للتخمين حول أي المهن التي سيتم توظيفها لحلها.

النهج القائم على التأمين ينطوي على القيام بأقل قدر من التكامل الضروري. فهو لن يحتاج إلى اتحاد كامل سياسي أو في المالية العامة، لكن مجرد بضع دعامات للتأمين ضد الأزمات المصرفية أو الصدمات التي تؤثر في بعض الدول الأعضاء دون غيرها. إذا ضربت الأزمة، سيبدأ التأمين. الفكرة ليست غبية بالكامل لكن فكرة التأمين بديلا للاتحاد السياسي هي فكرة خاطئة.

هناك مفهوم ضمني ينطوي عليه أي أنموذج اقتصادي للتأمين هو وجود إطار عمل قانوني، ووجود دولة يضمن أن التأمين يسدد التزاماته أو يحمي ضد الاحتيال. بما أن أطر العمل القانونية التي من هذا القبيل موجودة في معظم البلدان، فليس هناك حاجة ليهتم مختصي الاقتصاد كثيرا بشأن الإنفاذ القانوني.

لكننا نتعامل هنا مع التأمين بين دول سيادية. ليست هناك دولة فوقها تستطيع فرض اليقين القانوني. يمكن تنظيم التأمين من خلال العقود أو المعاهدات متعددة الأطراف، لكن هذه يمكن إلغاؤها من طرف واحد. معظم الدول الغربية لديها قاعدة تمنع البرلمانات من تقديم التزامات ملزمة لم يأتي لاحقا. وعقد التأمين بين الدول قد ينتهك ذلك المبدأ.

فكرة حل الأزمة من خلال التأمين تعاني تناقضا داخليا. الهدف هو إيجاد شيء أخف من اتحاد سياسي، لكننا بحاجة إلى اتحاد سياسي لتوفير إطار عمل قانوني وسياسي لجعل التأمين ممكنا.

لنأخذ مثال التأمين على الودائع لعموم منطقة اليورو، الذي يفضله البنك المركزي الأوروبي والمفوضية الأوروبية وأغلبية الدول الأعضاء – لكن ليس ألمانيا. من وجهة نظر برلين، هناك حجتان ضده. الأولى هي أنه ليس تأمينا على الإطلاق وإنما عملية تحويل مخفية. ولأن مصارف الدول الأعضاء الجنوبية هي في حال أسوأ، فمن الواضح أن دفع أي تعويض سيكون من الشمال. طلب التأمين على الودائع الآن هو مثل شراء تأمين على سيارة بعد وقوع الحادث.

الحجة الثانية هي أن التأمين بين الدول لا يختلف جوهريا عن أداة سندات مشتركة – سندات اليورو التي يكرهها الألمان كثيرا. التأمين، أيضا، هو شكل من أشكال المسؤولية المشتركة. إذا ضربت الأزمة بلدا معينا، فإن بقية الاتحاد سوف يساعد. التأمين مختلف من الناحية الفنية عن السندات لكنه أيضا ينطوي على مسؤولية مشتركة.

تخميني هو أن مؤيدي التأمين يقللون من قدر ذكاء صناع السياسة في ألمانيا. لقد حدث هذا من قبل. أتذكر اقتراحا في وقت سابق في أزمة منطقة اليورو عندما اقترح مختصي الاقتصاد الموجودون في بروكسل “سندات الاستقرار” – سندات منطقة اليورو باسم آخر – لجعلها أكثر جاذبية للألمان، نظرا لميلهم للسياسات المالية والنقدية “الموجهة نحو الاستقرار”. فكرة أن أمثال فولفجانج شويبله، وزير المالية الألماني، لا يستطيعون فهم حقيقة الأمر هي فكرة سخيفة.

كذلك يميل مؤيدو الأنظمة القائمة على التأمين إلى تجاهل واقع سياسي مهم. إذا أردت استمالة برلين لكتابة بوليصة تأمين لك، عندها سيكون عليك قبول خسارة السيادة. والمكان الوحيد الذي قد يرغب أي شخص عاقل بنقل هذه السيادة إليه سيكون اتحادا سياسيا، وليس الدولة الألمانية.

استنتاجي هو أنه ليست هناك أية طريقة للتغلب على اتحاد سياسي وفي المالية العامة على المدى الطويل، حتى وإن لم تعد الفكرة رائجة كما كانت من قبل. بدونه، لا أرى ثقلا موازنا لصعود القوة الألمانية في منطقة اليورو ولا نهاية لارتفاع الاختلالات داخل منطقة اليورو. فائض الحساب الجاري في ألمانيا كان نحو 8 في المائة من الناتج الاقتصادي العام الماضي ولا يزال يرتفع. دون اتحاد سياسي هناك خطر أن دولة عضو جنوبية واحدة على الأقل، ربما اليونان أو البرتغال أو إيطاليا، سوف تختار الانسحاب من منطقة اليورو. حتى في اليونان، المعارضة لليورو في ازدياد.

هناك كثير من الطرق الفنية لجعل منطقة اليورو مستدامة على المدى الطويل، والتأمين هو فكرة مشروعة تماما. ربما تكون بديلا لأدوات السندات المشتركة، لكن ليس لاتحاد سياسي واتحاد في المالية العامة.