الخلافات التي تدور حول مشروع سد جنة والإختلافات في الدراسات والتقارير التي أُنجزت بشأنه، رفعت مستوى المخاوف حول مدى جدواه وقدرته على إرواء مناطق جبيل وكسروان وبيروت الإدارية.
اليوم من المقرر أن يناقش مجلس الوزراء، مشروعاً يقضي الى تخزين مياه نهر إبراهيم عند سد جنة وقد انقسمت الآراء حول هذا السد ما بين مؤيد ومعارض حتى بات يشكل ازمة في مجلس الوزراء لا يعلم أحد الى ماذا ستؤول الأمور، وما ساهم في تفاقم الخلاف تباين الآراء بين كافة السياسيين والخبراء والأخصائيين في حقل البيئة والمياه الجوفية وإنشاء السدود، بحيث بات كل فريق يرفض الأخذ برأي الفريق الآخر.
شكوك بسد جنة
انطلاقاً من الشكوك التي تدور حول نجاح سد جنة وتأمين مياه الشرب لبيروت، وهو المقدّر له تخزين نحو 38 مليون متر مكعب ثابتة (18 لمنطقتي جبيل وكسروان و20 لبيروت الإدارية) و100 مليون متر مكعب متحركة (30 لمنطقتي جبيل وكسروان و70 لبيروت الإدارية)، وبعيداً من المواقف السياسية التي تساق مع إقامة السد أو ضده، رب سؤال حول إمكانية توفّر بدائل لسد جنة؟ وهل من آلية لإرواء مناطق جبيل والبترون وبيروت بمياه الشرب في حال تم تعليق مشروع سد جنة؟
قبل الدخول في عرض البدائل المحتملة للسد، لا بد من التذكير بأن الغاية التي وُضع المشروع لتحقيقها هي تخزين مياه نهر ابراهيم لتأمين حاجات منطقة جبيل والبترون وبعض قرى بلدات كسروان وبيروت الإدارية بمياه الشفة.
وإذا أخذنا بالإعتبار أن مجموع عدد سكان وأهالي قضائي جبيل والبترون يقارب 200 ألف نسمة وأن حاجات كل نسمة يبلغ 200 ليتر يومياً يبلغ حينها مجموع حاجات الأهالي والسكان نحو 40 الف متر مكعب يومياً أو ما مجموعه 8 ملايين متر مكعب خلال مدة 200 يوم من أيام الشحائح أو ما يعادل 1.35 متراً مكعباً شهرياً خلال الأشهر الممتدة من حزيران حتى تشرين الثاني من كل عام.
واستنادا إلى مشروع دراسة المياه الجوفية الذي وضعه لبنان بالإشتراك مع منظمة الامم المتحدة للتنمية فإن كمية مياه نهر إبراهيم التي تصب في البحر خلال هذه الاشهر هي: 42 مليون متر مكعب في شهر حزيران، 18 مليون متر مكعب في تموز، 7.4 ملايين متر مكعب في آب، 4.9 ملايين متر مكعب في أيلول، 5 ملايين متر مكعب في تشرين الأول و3.9 ملايين متر مكعب في تشرين الثاني، أي أن كمية المياه التي تهدر في البحر عند مصب نهر أبراهيم خلال ستة أشهر من أيام الشح تزيد عن ضعفي كمية المياه التي يحتاج إليها سكان منطقة جبيل والبترون، فكيف يمكن الإستفادة منها؟
الحلول
أزاء هذا الوضع، لا بد من اللجوء الى حلول مبتكرة تلبي مطالب فعاليات وأهالي منطقة جبيل والبترون وتحافظ في الوقت ذاته على الأوضاع البيئية في مجرى نهر أبراهيم، وفق الخبير الهيدروجيولوجي فتحي شاتيلا، الذي اقترح عبر «اللواء» إقامة سد لتخزين مياه نبع أفقا وشرح التالي:
سد لتخزين مياه نبع أفقا: يقضي هذا الحل الى تخزين مياه نبع أفقا خلال فترة الغزارة في جوف الأرض، ويمكن تحقيق هذا الهدف بإقامة سد عند فوهة مغارة نبع أفقا لمنع تدفق المياه خلال فترة الغزارة وتخزينها داخل الكهوف والشقوق والفجوات المنتشرة في الطبقات ألجيولوجية ألمغذية للنبع.
الوضع الهيدرولوجي: يقع نبع أفقا على المنسوب 1140 متراً فوق سطح البحر. وتبلغ مساحة حوض النبع 150 كيلومترا مربعاً. وتقدر كمية مياه المطر والثلوج التي تتساقط 1800 ملم سنوياً، يتسرب نصفها إلى جوف الارض لتغذي نبع أفقا بمعدل 135 مليون متر مكعب سنوياً. اما النصف الثاني فيضيع معظمه بسبب تبخر المياه مع جزء ضئيل يجري على سطح ألارض. ويتدنى تصريف النبع خلال السنوات القليلة المطر ليصل كما هو في العام 1971/72 حتى 77 مليون متر مكعب.
الوضع الجيولوجي: يتغذى نبع أفقا من الطبقات الكلسية العائدة للعصر الطبشوري الأوسط، «سينومانيان» التي تغطي جبال لبنان، التي تزيد سماكتها عن 800 متراً، وهي متشققة جداً وتحوي العديد من الكهوف والمغاور. وهذه الطبقات تقع فوق طبقات العصر» البيان» المكونة من الصلصال ومواد مارلية مانعة لتسرب المياه، جميعها تميل نحو الغرب. ويمر فالق يتجه شرق-غرب عبر هذه الطبقات، على مسافة تبعد حوالى 400 متر شمالي نبع أفقا.
الوضع الهيدروجيولوجي: تتدفق مياه نبع افقا عند تلاصق الطبقات الكلسية الشديدة التشقق Cenomanian”» مع طبقات ألعصر» Albian» المانعة لتسرب المياه، مما يجعل هذا النبع يعرف باسم“Contact Spring” وتتدفق مياه ألنبع من مغارة يزيد طولها عن ستة كيلومترات تمتد فوق طبقات ألعصر « Albian».
سد عند نبع أفقا: وحيث أن معظم تصريف نبع أفقا يصب هدراً في البحر خلال سبعة أشهر من السنة، وبما ان الأوضاع الجيولوجية عند هذا النبع تدعونا الى درس إمكانية تخزين مياهه خلال فترة الغزارة واستعمالها خلال فترة الشحائح لتزويد منطقة جبيل، البترون وكسروان بمياه الشرب والري، ينبغي وضع الدراسات المتعلقة بهذا المشروع على ثلاث مراحل .
المرحلة الاولى: تشمل دراسة هيدروجيولوجية، للمنطقة المحيطة بنبع أفقا، حفر ابار استقصائية، دراسات هيدرولوجية للنبع والينابيع المجاورة وبنتيجة هذه الدراسات والتي تستغرق حوالى شهرين، وبكلفة تقدر بحوالى 150 الف دولار أميركي، يمكن الإنتقال الى المرحلة الثانية.
المرحلة الثانية: يتم إقامة سد أو ساتر معدني عند مدخل مغارة افقا بعلو 10 امتار لحجز مياه النبع عند فترة الغزارة حيث من المتوقع أن يتم تعبئة المغارة والطبقات الكلسية المجاورة لها بالمياه، وخلال هذه العملية، يتم مراقبة تطور منسوب المياه داخل المغارة وكذلك تصريف الينابيع المجاورة وتلك التي سوف تظهر بجوار النبع. وبعد أن يتم تحديد الشقوق والفجوات التي تتدفق المياه عندها، يتم تفريغ المياه خلف السد لحقن هذه الفجوات والشقوق بماد سادة. ويمكن إعادة هذه العملية مراراً وتكراراً يتم خلال كل مرحلة، حقن أماكن تدفق المياه.ومن المقدّر أن تستغرق هذه ألعملية مدة تتراوح ما بين أربعة الى ستة أشهر . وتقدر كلفة بناء السد بعلو 10 أمتار بحوالي مليوني دولار أميركي أضف اليها مليون دولار اخر كلفة إقفال الفجوات والشقوق التي تتدفق المياه عندها.
المرحلة الثالثة: إذا لم تصادف المرحلة الثانية عراقيل لا يمكن التغلب عليها، يمكن الإنتقال الى المرحلة الثالثة من المشروع والتي تقضي إلى إقفال كامل فوهة المغارة والتي يصل قطرها حتى 50 متراً. والهدف من هذه المرحلة، معرفة إمكانية تخزين أقصى كمية من تصريف نبع أفقا خلال فترة الغزارة.ومن المؤمل عند الانتهاء من هذه المرحلة والتي قد تستغرق اكثر من عامين إثنين، تخزين 30-50 مليون متر مكعب داخل الطبقات الجيولوجية التي تغذي نبع جعيتا. أما كلفة هذه المرحلة، فتقدر بحوالى 30 مليون دولار أميركي.
إن كلفة المرحة الثانية والثالثة من هذا المشروع وكمية المياه المؤمل تخزينها هي أرقام تقريبية ولا يمكن الأخذ بها قبل تنفيذ كل مرحلة.