ريتشارد بلاكدن
حان وقت الاسترخاء. فالأسواق المالية تسير على خير ما يرام منذ أواخر يناير/ كانون الثاني، عندما بدأ سعر النفط انتعاشه حتى بلغ في الأسبوع الماضي حد 50 دولاراً للبرميل للمرة الأولى منذ نوفمبر/ تشرين الثاني.
والأوضاع المالية في الولايات المتحدة باتت أكثر مرونة، والأسواق الناشئة باتت أكثر فرحاً وأسهم شركات الطاقة الأمريكية نجحت في استعادة عافيتها حتى إنها تحتل اليوم المركز الثالث بين أفضل الشركات أداء على مؤشر ستاندرد أند بورز 500.
وجاء رد الفعل كافياً لمحو ذكريات يناير، عندما كان سعر الخام المتداعي واحداً من ثلاثة عوامل تضرب الأسهم العالمية. وأوحى تراجع سعر النفط بنسبة 25 في المئة في الأسابيع الثلاثة الأولى من يناير بوجود عجز شديد في الطلب، وزاد من التكهنات الخاصة بسوء الأوضاع المالية العامة في الدول المنتجة للنفط مثل فنزويلا وروسيا.
وسمح سوق السندات الأمريكية ذات العائد المرتفع لسعر الخام بمزيد من التدهور للتهديد بنهاية مزرية لدورة الائتمان الحالية. وعندما كان النفط يدور في فلك المئة دولار صار العائد في سوق السندات غير المرغوب فيها في أدنى مستوى ووفر فرصاً لا تقاوم لمنتجي النفط في الولايات المتحدة لجني المكاسب من التمويل الرخيص.وبحلول منتصف عام 2014، شكلت شركات الطاقة 18 في المئة من مجموع السندات غير المرغوب فيها المقومة بالدولار، صعوداً من 13 في المئة في عام 2009 الأمر الذي فاقم المشكلة التي بدأت مع مطلع العام. وتجلت الأزمة في أبشع صورها عندما طلب المستثمرون في سندات الطاقة غير المرغوب بها عائداً بنسبة 20 نقطة مئوية فوق سعر سندات الخزانة. وبعد أقل من أربعة أشهر ومع تداول النفط حول 50 دولاراً، تراجع العائد أقل من 9 نقاط مئوية.
وتسبب ذلك في ارتداد شامل ومستمر في أسعار الأصول عالية المخاطر
وهناك ما يبرر تفاؤل المستثمرين في حال استمر المنحى التصاعدي في أسعار الخام.
لكن ارتفاع الأسعار الحالي لا يعول عليه. ويقول محللون في بنك «يو إس بي» إن تعطل الإمدادات حالياً، بما في ذلك ما يحدث في نيجيريا وكندا، وراء الجزء الأكبر من ارتفاع أسعار النفط الخام منذ يناير/ كانون الثاني. ويقدر البنك حجم زخم ارتفاع الأسعار بسبب تراجع الإمدادات بنسبة 70 في المئة، وضعف الدولار بنسبة 20 في المئة، ونسبة 10 في المئة فقط بسبب ارتفاع الطلب العالمي.
وأياً كانت النسب المئوية، فإن تراجع الطلب العالمي على النفط هو الذي كان وراء إثارة الذعر في الأسواق ودفع سعر البرميل هبوطا من 114 دولاراً منتصف عام 2014 إلى حدود الثلاثين دولاراً.وبمتابعة حالات تقلب أسعار النفط خلال السنوات العشر الماضية يتبين أن كلاً من الأسهم العالمية والأسواق الناشئة والدولار تتماشى بشكل متناسق مع قوة الطلب على الخام أكثر مما تتماشى مع قوة العرض.
ويؤكد تقرير بنك «يو بي إس» أن الأسعار الحالية للنفط لا تمارس تأثيراً تضخمياً على الاقتصاد العالمي. وقد عززت الشعور بالإحباط مجموعة من مؤشرات ضعف الأداء في الاقتصادات العالمية وعلى رأسها الصين منذ بداية العام. واليوم وبعد تأكيد هيئة الطاقة العالمية أن الطلب يسير في الاتجاه التصاعدي لا يجد النفط مفراً من فائض العرض الذي يدفع سعره هبوطاً في ظل ما تعيشه منظمة أوبك من خلافات. وفي الوقت الذي قد تعود أسعار النفط في حال انتعشت ببعض الفائدة على دول منتجة مثل فنزويلا إلا أن فائدتها على اقتصادات الدول المستهلكة معدومة.
وكان مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي أول من سارع لامتداح هبوط أسعار النفط وتأثيرها في إنفاق المستهلكين لكن الارتفاع الجديد في الأسعار سوف يحد من ذلك الإنفاق بعد أن بلغ أعلى معدل له منذ ست سنوات في شهر إبريل/نيسان الماضي.
وربما تكون أسواق الأسهم أول المستبشرين خيراً ببلوغ سعر البرميل حدود الخمسين دولاراً ، إلا أن الرهان على أسواق الأسهم في تحقيق السعادة للجميع رهان غير مضمون النتائج.