كتب الان سركيس في صحيفة “الجمهورية”:
تأخذ الساحة المسيحية قسطاً من الراحة بعد الإنتهاء من الإنتخابات البلدية، وفي حين إنطلقت ورشة النقد الذاتي داخل «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحرّ» لدرس كلّ ما رافق الإنتخابات، إنصرف البعض الى ترتيب البيت الداخلي مع المكوّنات الحليفة.شهدت كلّ الساحات انتخاباتٍ ضارية، وصلت الى الساحة الشيعية التي يُعرف عنها أنها ممسوكة بقوّة، لكنّ المسيحيين تأثروا أكثر من غيرهم بالخلافات الإنتخابية نظراً الى التنوّع الذي يعيشونه، والذين حافظوا عليه أيام الحرب الأهلية، فكانت «الجبهة اللبنانية» خير دليل على الغنى الثقافي والفكري والسياسي المسيحي.
يُجمع المسيحيون على تأييد المصالحة التي تمّت في 18 كانون الثاني في معراب، لكنّهم يتمسّكون بالتنوّع حتى داخل الحزب الواحد لأنّ الأحادية أو الرأي الواحد يجعل منهم جسماً شبيهاً للأحزاب أو الأنظمة التي تصدّوا لها على مرّ الزمن.
ومن ضمن سياسية تجميع البيت المسيحي الواحد، يظهر للعلن أنّ القدرة على جمع «التيار الوطني الحرّ» وحلفائه من قوى «8 آذار» أسهل، فيما وضع مسيحيّي «14 آذار» معقّد أكثر، نظراً إلى وجود قوّة رئيسة هي «القوّات اللبنانية» بينما هناك كوكبة من الشخصيات والأحزاب المتنوّعة، لكن الحقيقة مغايرة لما هو ظاهر.
وفي هذا السياق، يمكن القول إنّ الهوّة باتت كبيرة جداً بين «التيار الوطني الحرّ» وتيار «المردة»، خصوصاً بعد كلام وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل إثر إنتهاء إنتخابات الشمال وردّ النائب سليمان فرنجية عليه بقوله إنّ «الأقزام عند مغيب الشمس ترى خيالاتها أكبر»، وبالتالي لا وساطة فعلية لجمع هذين التيارين خصوصاً في الشمال، إذ إنّ «المردة»، حرص طوال يوم الإنتخاب الشمالي على التجييش وحض مناصريه على الإقتراع بكثافة ضد لوائح «التيار» و»القوّات».
ووفق المعلومات المتداولة، فإنّ العلاقة بين التيارين باتت في حكم الطلاق النهائي، إلّا إذا حصلت معجزة غير متوقّعة، بحيث يضع «التيار الوطني الحرّ» شرطاً أساساً لإعادة المياه الى مجاريها وهو إنسحاب فرنجية من السباق الرئاسي إفساحاً في المجال للعماد ميشال عون لأنه الأحق بالرئاسة.
فيما تؤكد أوساط «المردة» أنّ فرنجية ثابت في ترشيحه، وهو الأوفر حظاً وبالتالي على عون دعم وصوله، وإذا كان «التيار» مهتماً بإعادة العلاقة الى طبيعتها، فيجب فصل الرئاسة عن كلّ مسار التحالف.
أما بالنسبة الى مسيحيّي «14 آذار»، فإنّ كلّ الزيارات الى معراب تدلّ على فتح صفحة جديدة في العلاقات بين مختلف مكوّناتها المسيحية. من هنا، لم تتباهَ «القوّات» بالإنتصار في إنتخابات دير القمر على النائب دوري شمعون، فيما أكد وزير السياحة ميشال فرعون مجدداً دعمه المصالحة المسيحية وتأييد ترشيح عون الى الرئاسة لأنه يحظى بالشرعية المسيحية.
وكانت لافتة زيارة نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري الى معراب، بحيث طوت صفحة الإنتخابات البلدية، وما رافق مرحلة الترشيحات الرئاسية من تعقيدات وخلافات عصفت بالبيت الواحد.
ويتّضح للجميع حسب المعلومات وطريقة العمل، أنّ «القوّات» مصمّمة على إعادة اللحمة مع حلفاء ما قبل الإنتخابات البلدية، لأنه يجب فصل المعارك الإنتخابية عن القضايا الوطنية.
وإذا كانت العلاقة مع حزب الكتائب ووزير الإتصالات بطرس حرب والنائب هادي حبيش لم تصل بعد الى خواتيمها السعيدة، قد يكون الوقت كفيلاً بتصحيح كلّ ما «خرّب» خصوصاً إذا «صفت النّيات»، ولا يستبعد البعض أن تتوالى الوساطات والزيارات في الأيام المقبلة الى معراب أو إطلاق البعض مبادرات لإعادة التحالف.
ومن هذا المنطلق، تنتظر التحالفات السياسية الإنتخابات النيابية أيضاً، لأنها أكثر دقة وخسارتها مكلفة، لكن يبقى قانون الإنتخاب هو الشغل الشاغل وحديث الساعة، خصوصاً أنّ الساحة المسيحية تتأثر بنوع القانون وكيفية رسم التحالفات، فإذا استطاع المسيحيون إنتزاع القانون الذي يؤمّن لهم قدرة إيصال اكبر عدد من الممثلين، سيرتاح الوضع المسيحي، وتصبح الأحزاب قادرة على ترك مقاعد للمستقلين، أما إذا عدنا الى القوانين التي تعطي المسيحيين القدرة على اختيار 30 نائباً فقط، مثل قانون الستين، فعندها سيقع التطاحن الكبير.