IMLebanon

مبالغات وأخطاء اقتصادية

USEconomy
لويس حبيقة

هنالك أفكار اقتصادية لا تزول بالرغم من أن الوقائع أثبتت فشلها. تكمن خطورتها في الإصرار على تطبيقها من قبل المجتمعات والحكومات وأصحاب القرار بالرغم من أنها خاطئة أو أقله مبالغ بها وبتأثيرها. أسوأ ما فيها نتائجها التي أعطت أزمات اقتصادية ومالية ما زال العالم يعانيها حتى اليوم. هنالك أصوات عالمية تدعو إلى مراجعة ما وصلنا إليه، أي مراجعة المبادئ والدراسات والممارسات كي نتعلم من الأخطاء ونصحح أو نرمم ما أمكن. ليس كل ما حدث في الماضي سيئاً، لكن هنالك كوارث مالية واجتماعية حصلت تفسر التخبط السياسي والشعبي بل القلق الحاصل اليوم في كل المجتمعات. ما الذي يفسر حصول اليمين المتطرف في العديد من الدول الغربية مثلاً على أرقام مرتفعة جدا في الانتخابات غير النتائج الاقتصادية السيئة التي تحققت؟ طبعاً هنالك وقائع أخرى مثل المهجرين والنازحين والإرهاب، إلا أن الاقتصاد يبقى الأهم بالنسبة للمواطن.
في خطاب له يوم تسلم «روبرت لوكاس»، الحائز جائزة نوبل للاقتصاد، رئاسة تجمع الاقتصاديين الأمريكيين سنة 2003 قال «نحن متأكدون من أن العلم الاقتصادي تطور لمستوى يجنبنا السقوط مجدداً». طبعاً أزمة 2008 تشير إلى عكس ذلك، والى أن العلم وممارسته لم يتقدما بعد إلى الدرجة التي تمناها «لوكاس» أو أعتقد أنها حقيقة لا لبس فيها. في سنة 2008، قبل الأزمة بأيام، قال الاقتصادي المعروف «أوليفييه بلانشار» إن العلم الاقتصادي هو في حالة جيدة نتيجة البحوث والتطوير كما التجارب والممارسات. حكماً إن المبالغات أو الأخطاء لا لبس فيها ويجب المراجعة والتصحيح.
يقول «جيف مادريك» في كتابه «سبعة أفكار سيئة» إن الاقتصاديين متمسكون بمبادئ أو أهداف أثبتت فشلها في التطبيق. لم تكن المبادئ أيضا صحيحة في بعض الأحيان. يقول «شارل هنري فيليبي» في كتابه «الخطايا السبع لرأس المال» إن ممارسة الرأسمالية كانت خاطئة وأعطت نتائج كارثية من الصعوبة تصحيحها. ارتكازاً على الأفكار المتقاربة، يمكن أن نحدد مبالغات وأخطاء الممارسة الاقتصادية كما يأتي:
أولاً: «اليد الخفية» التي تكلم عنها «أدام سميث» مؤسس العلوم الاقتصادية في كتابه «ثروات الأمم» في سنة 1776 والتي تعني أن ممارسة الأهداف بشكل جيد وفاضل من قبل الجميع تؤدي إلى تحقيق المصلحة العامة. تكلم «سميث» عن ممارسة الأعمال بأخلاق واحترام ولم يكن يدري أن درجة الجشع وصلت إلى حدود لم يعرفها التاريخ. فتصرفات «مادوف» و»ستانفورد» وأصحاب حسابات باناما لم ترد حتما في تفكير وكتابات «سميث». الحكمة في نظريات سميث تكمن في أن النظام الاقتصادي الحر المبني على تحقيق المصلحة الفردية في كل المجالات يؤدي إلى تحقيق البحبوحة للجميع، وهذا ما لم يحصل كما تشير إليه الأزمات وسوء توزع الدخل والثروة بين الدول وداخل كل دولة.
ثانياً: قانون «ساي» والتقشف الاقتصادي. يقول القانون إن العرض يخلق الطلب. فالمنتجون يقررون والمستهلكون ينفذون. طبعا لم يحصل ذلك، لكن الاقتناع بالقانون سبب وجود فائض كبير في السلع والخدمات التي لم يكن يريدها أحد، وبالتالي حدث ركود متكرر على جميع المستويات. للمستهلك أذواق ويأخذ قراراته تبعاً لمصالحه ولا يمكن فرض أي أمر عليه. أتى «غالبريث» ليقول إنه يمكن للمنتج أن يخلق الحاجة أي يعطي سلعاً لم يكن المستهلك يفكر بها. هنا تكمن أهمية البحوث بحيث يدرس المنتج ماذا يمكن أن يعجب المستهلك ويقوم بالتنفيذ. الاقتناع بقانون «ساي» سبب أزمات عرض كان العالم بغنى عنها. أما التقشف الاقتصادي الناتج عن الأزمات المالية والاقتصادية المتنوعة، فأعطى نتائج عكس المتوقع لأن حاجات الإنسان أصبحت متطورة ولا يمكن العودة إلى الوراء وبالتالي كان من المفروض تجنب الوقوع في الأخطاء التي سببت التقشف. هنالك علاقة سلبية بين التقشف والنمو أشار إليها منذ عقود الاقتصادي «كينز» وتبعه فيها عشرات الاقتصاديين منهم «ستيغليتز». لا يمكن تحميل المواطن أخطاء الحكومات المتعاقبة، ولا بد من المحاسبة.
ثالثاً: دور الحكومة الاجتماعي المتنازع عليه حتى اليوم ويظهر في كل المجتمعات آخرها في الولايات المتحدة خلال الانتخابات الرئاسية الحالية. «برني ساندرز» يريد دوراً كبيراً وعميقاً للقطاع العام في الاقتصاد عبر تمويل الحاجات الأساسية للمواطن من تعليم وصحة وغيرها من الموازنة. مشروع المرشح «دونالد ترامب» معاكس تماما ويشير إلى دور قليل للقطاع العام في الاقتصاد. في الحقيقة فشل الاقتصاديون حتى اليوم في تحديد الدور الأفضل للقطاع العام في الاقتصاد، فنشهد التباين القوي ليس فقط في النظريات وإنما بالتطبيق.
رابعاً: أهم هدف اقتصادي هو التضخم المنخفض إذ إن أفكار مدرسة «ميلتون فريدمان» سيطرت على العلوم الاقتصادية لعقود. الاقتصاد الناجح هو الذي يعرف تضخماً منخفضاً ينتج عن سياسات مالية وخاصة نقدية محافظة. التضخم هو الهدف الأساسي ويمكن تجاهل البطالة والنمو والتنمية . خامساً: ليست هنالك تقلبات حادة في الأسواق المالية لأن الأسعار تعكس الحقيقة أو القيمة الواقعية للأصول والسلع والخدمات. كانت هذه نتيجة النظريات المالية المرتكزة على مبدأ أن الأسواق تكون دائماً فاعلة وشفافة، وبالتالي ليست هنالك معلومات مخبأة. يتبين من الممارسات ، أن المعلومات الصحيحة ليست دائما متوافرة للمستثمر وبالتالي يقوم بالاستثمار متكلاً على معلومات خاطئة تؤدي إلى خيارات استثمارية خاطئة أيضاً. سادساً: للعولمة فوائد لا تحصى ومخاطرها محدودة. لا شك أن للعولمة فوائد كبيرة إذ قربت العالم وسهلت التبادل التجاري والمالي بين الدول، لكن المخاطر ارتفعت أيضاً في غياب الضوابط الضرورية وتلاشي الحدود التي عرفها العالم لقرون مضت. شجعت العولمة على المخاطرة لتحقيق الأرباح، فتحققت الخسائر في العديد من الأحيان لأن الأدوات التي استعملت كانت معقدة بل يجهلها تماماً من استعملها من مواطن ومتقاعد وإنسان عادي راغب في تحسين أوضاعه المالية. سابعاً: الاقتصاد هو علم وبالتالي كالرياضيات لا يخطئ بل يعطي نتائج لا جدال فيها. تقدمت العلوم الاقتصادية إلى حدود لم يكن يتوقعها حتى أهم الاقتصاديين، لكن لا يمكنها أن تصل إلى مستوى الرياضيات والعلوم العادية لأنها مرتبطة بالإنسان وخياراته وأوضاعه النفسية والعقلية.