كتب عماد مرمل في صحيفة “السفير”:
يبدو أن نتيجة الانتخابات البلدية في طرابلس والأزمة السياسية – المالية التي تواجه «تيار المستقبل»، تطرحان تحدياً ليس فقط على الرئيس سعد الحريري بل ايضا على بعض «قوى 8 آذار» المعنية بما يدور في «الساحة الزرقاء»، انطلاقا من السؤال الآتي: هل من مصلحة هذه القوى تراجع زعامة الحريري وصعود بدائل أخرى في الساحة السنية، أم انها متضررة من سيناريو كهذا؟
يمكن القول إن الاتجاهات الاساسية في «8 آذار» تتوزع على وجهتي نظر حيال كيفية التعامل مع الاختبار الصعب الذي يتعرض له الحريري، في شارعه. الاولى، تعتبر انه ما من مصلحة في خفوت ضوء قيادة الحريري، برغم الخصومة السياسية معه، لان البدائل منه تتراوح بين النموذج الداعشي التكفيري الذي يلغي الآخر، والنموذج المتشدد المفتقر الى الواقعية السياسية والذي يرمز اليه اللواء أشرف ريفي.
ويعتقد أصحاب هذا الرأي أن الحريري يبقى رمزا للاعتدال السني قياسا على الظواهر الاخرى التي تنمو على ضفاف مستنقعات التطرف، مهما كانت المآخذ على خياراته وسلوكياته، وبالتالي فهو الوحيد القادر، في لحظة الحقيقة، على الانخراط في تسويات داخلية وتحمّل تبعاتها، بمعزل عن صعود أو هبوط وتيرة خطابه السياسي والإعلامي في مواجهة «حزب الله» وسوريا.
ويلفت هؤلاء الانتباه الى أن الحريري امتلك جرأة خوض الحوار مع «حزب الله» والاستمرار فيه حتى الآن، خلافا لمزاج الأكثرية المعبأة ضد الحزب في الشارع الموالي لـ «المستقبل»، الامر الذي نأى بلبنان عن الحرائق المحيطة الى حد كبير، وشكل أحد صمامات الأمان في مواجهة شبح الفتنة المذهبية، في مرحلة صعبة يعاني فيها نسيج المنطقة من التفتت.
ويشدد المتحمسون لهذه المقاربة على ضرورة عدم بعثرة الأولويات، مشيرين الى أنه يجب عدم إهمال الأولوية المركزية حتى إشعار آخر، وهي التصدي للخطر التكفيري الذي يشكل تهديدا استراتيجيا، «وهذه معركة لا يمكن ربحها على مستوى لبنان ما لم يكن الحريري شريكا فيها، لان الاعتدال السني هو الأقدر على مقارعة التطرف السني، وما عدا ذلك يساهم في تقوية هذا التطرف لا إضعافه».
أما وجهة النظر الاخرى السائدة لدى بعض الأوساط في «8 آذار»، فتعتبر أن المسألة لا تتعلق بالاختيار بين هذا وذاك، وفقا لمعايير ومقاييس محلية، ذلك أن السعودية هي التي تتحكم بقواعد اللعبة في الساحة السنية اللبنانية، وتؤثر في تحديد أحجام قياداتها وأدوارهم، «وبالتالي يصبح من الأفضل انتظار الخيار الذي ستعتمده الرياض، في أعقاب انتهاء المخاض الحالي، وبعدها يُنظر في ما إذا كانت هناك إمكانية للتعاون معه ام لا».
ويتوقع المقتنعون بهذا الرأي أن تكون الرياض بصدد توسيع مروحة خياراتها في الوسط السني، لأنه تبين لها أن نظرية الوكيل الحصري تهدد بانهيار كل مشروعها أو بنائها السياسي، إذا ضعف أو أخفق هذا الوكيل.
ويشير هؤلاء الى ان رموز «المستقبل» يتشابهون في عدائهم لمشروع المقاومة، لكنهم يتباينون فقط في الأسلوب والتكتيك، «وهذا هو الفارق الوحيد بين الحريري وغيره، أما من يتقدم على الآخر فيتوقف على طبيعة المرحلة ومتطلباتها.. سعوديا».
ويعتبر أصحاب هذا الطرح، أن كلام وزير الداخلية نهاد المشنوق أثبت أن قرارات الحريري كانت تتخذ بطلب سعودي، مشددين على أنه لم يعد بمقدور رئيس «المستقبل» أن يصور مبادراته حيال «حزب الله» وحلفائه بأنها تضحيات أو تنازلات مجانية، «بل ان كلا منها ينطوي على قطب مخفية، تكشف بعضها عبر المواقف الأخيرة لوزير الداخلية».
ويشير أنصار هذه المقاربة في «8 آذار» الى انه لا مفر من التسويات في بلد التسويات، على قاعدة تبادل الأخذ والعطاء، «وبالتالي فإن الحريري بحاجة اليها كما الآخرون، وليس هناك من فضل لأحد على الآخر في هذا المجال».