غريتا صعب
حذرت جانيت يلين رئيسة مجلس الاحتياطي الفدرالي من انعكاسات اقتصادية كبيرة على اميركا في حال صوتت المملكة المتحدة على الانسحاب من الاتحاد الاوروبي.قالت يلين ان الـ Brexit قد يكون أحد العوامل التي سوف تدفع بالاحتياطي الفدرالي الى الترّيث في شأن رفع اسعار الفوائد. ويشاركها في الرأي شينزو ابي رئيس الوزراء الياباني الذي حذّر من مخاطر ترك بريطانيا للاتحاد الاوروبي وان ذلك سوف يقلل من شهية المستثمرين اليابانيين في المملكة المتحدة سيما وان اليابان استثمرت بكثافة هناك على اساس التعامل كالشركات الاوروبية.
جاءت هذه التصريحات في وضعية دقيقة جدا سيما وانه في ٢٣ حزيران المقبل سوف تصوّت المملكة المتحدة على بقائها او خروجها من الاتحاد الاوروبي وسط تزايد التنبؤات واختلاف الاراء حول اهمية هكذا قرار.
في استفتاء سنوي لأكثر من ١٠٠ من كبار المفكرين الاقتصاديين يعتبر قرار ترك الاتحاد الاوروبي إنه سوف يضر بالبلد ويثير شكوكا كبيرة حول مستقبل الاقتصاد والنمو والاستثمار والانفاق.
كذلك، وحسب الاستفتاء، سوف تتأثر الاسواق المالية سلبا وسوف تضر بالارصدة الاسترلينية وبقيمة الجنيه الاسترليني في التبادلات الاجنبية وكذلك سوف تؤثر سلبا على الثقة بالاعمال والاستثمار. لذلك قد يكون الـ Brexit يعني اكثر من الخروج من الاتحاد الاوروبي وقد يعني سنوات من عدم الاستقرار السياسي الداخلي وتأثيره السلبي قد يبقى لسنوات عدة.
اضف الى ذلك انه وفي حال الخروج من الاتحاد، من المتوقع ان تخفض وكالات التصنيف وضعية بريطانيا، وكذلك سوف يدفع بأسعار الفوائد كي تبقى في وضعيتها الحالية لفترات اطول مما يعني ان تبقى مستقرة خلال العام ٢٠١٦ وقد تمتد هذه الفترة للعام ٢٠١٧.
يقول جوناثان بورت، من معهد البحوث الاقتصادية والاجتماعية، انه يمكن تقسيم هذه المرحلة الى ثلاث فترات:
١- قصيرة الاجل حيث التأثير قد يكون ضئيلا نسبيا وقد يؤدي الى بعض الاضطرابات في الاسواق المالية.
٢- متوسطة الاجل اذ انه من المحتمل ان تؤثر سلبا على الثقة بالأعمال والاستثمارات التجارية والأستثمار الاجنبي المباشر وربما التجارة والهجرة.
٣- طويلة الاجل. ومن المستحيل التنبؤ على وجه الدقة في هذه المرحلة ولكن من الواضح ان هناك مخاطر جسيمة بشكل خاص على التجارة والخدمات بما في ذلك الخدمات المالية والتي تعد حيوية للاقتصاد البريطاني.
في جميع الاحوال، ورغم تفاوت اراء الاقتصاديين حول تبعات الـ Brexit فإن الغموض سوف يزعزع الاستقرار على نطاق واسع ويحتمل ان يؤدّي الى تعقيد الحياة الاقتصادية في اوروبا.
لذلك قد يكون تصريح يلين جاء لتثبيت ما قاله معظم الاقتصاديين عن آثار الخروج من الاتحاد الاوروبي. وقد يكون التأثير على اميركا والمملكة البريطانية واوروبا بشكل عام وعلى الاوروبيين بشكل خاص.
وقد أعلن بنك الاستثمار الاميركي «جي بي مورغان تشيس» انه قد يخفّض عدد الوظائف الى اكثر من ٤٠٠٠ وظيفة في حال تمّ التصويت على الـ Brexit كما يعني ان الامور بدأت ولو مبكرا، تعطي اشارات تجعل من اوروبا في وضعية دقيقة.
وكانت بريطانيا هي «افضل» للوصول الى السوق الداخلية في الاتحاد الاوروبي. وفي الثمانينات جاءت نيسان وتويوتا الى بريطانيا على اساس ان التصنيع فيها واستخدام القوة العاملة البريطانية سوف يمنح الشركات المُصنِّعة المعاملة نفسها التي تحظى بها الشركات الاوروبية. وفي الواقع هذا صحيح طالما بريطانيا موجودة داخل الاتحاد. وهكذا تم احياء صناعة السيارات البريطانية واصبحت مصدراً لا يستهان به.
اما الان فالقلق موجود لأن دعاة الـ brexit ليس لديهم أي جواب كيف يمكن لبريطانيا ان تصل الى السوق الضخم وهي خارجه. وفي الاسابيع الاخيرة أعرب العديد من زعماء العالم عن آرائهم في شأن الاستفتاء في بريطانيا. وجاءت مواقفهم ضد خروج بريطانيا من الاتحاد سيما تلك الدول التي لها علاقات خاصة مع المملكة البريطانية وبالتحديد الولايات المتحدة الاميركية.
كذلك جاء قول دونالد تاسك رئيس المجلس الاوروبي والذي قال «ان المملكة المتحدة في حاجة الى اوروبا كما ان اوروبا في حاجة الى المملكة المتحدة داخلها».
يبقى السؤال: ما هو موقف روسيا سيما وان اصابع الاتهام تتجه نحوها ورئيس الوزراء كاميرون قال أخيرا ان بوتين «قد يكون سعيدًا». هذا مع العلم انه ولغاية الآن لم تعط روسيا اي توضيح عن موقفها ازاء الخروج من الاتحاد الاوروبي.
وصرّح بعض مسؤوليها ان ليس لهم اي علاقة بالـ Brexit على الاطلاق وانه ليس لديهم اي مصلحة في هذا المجال واذا كانت المعادلة حسب سيرغي ميديديف الاستاذ في أكاديمية موسكو للعلوم الاقتصادية ان العملية حسابية بسيطة اذ انه وحسب الـ brexit يعني ضعف الاتحاد الاوروبي وهذا يعني في الواقع روسيا اقوى. انما في الواقع قد تكون لعبة جيوسياسية سيما وان روسيا تبني علاقات جيدة مع العديد من دول اوروبا سيما اليونان والنمسا وهنغاريا وسلوڤاكيا.
وقد يكون احد اهم الاهداف الروسية هو كسر الاجماع الاوروبي بفرض عقوبات ضد روسيا، كذلك تتهم بعض الحكومات الغربية الكرملين بمحاولة زرع الفتنة في الاتحاد الاوروبي من خلال دعم الاحزاب القومية في اوروبا.
في المطلق، يواجه الاتحاد الاوروبي ازمة عميقة سيما وانه يعاني من تناقضات داخلية عميقة، ومن الطبيعي استغلال هكذا تناقضات من اجل تحقيق مكاسب سياسية معينة، سيما وان روسيا ترى في الاتحاد الاوروبي ناديا يستهدف تهميش روسيا.