كتبت لينا فخر الدين في صحيفة “السفير”:
عندما أعلن تنظيم «داعش» عن قيام «دولة الخلافة» في تمّوز 2014، كان اللبناني (عبد الله أ.) المعروف بـ «أبو عبد الرحمن الشامي» متأهباً لتلك اللحظة. شاب عمل لأعوام على تجنيد الشبّان ونشر الأفكار المتطرّفة وإصدار الفتاوى المتشدّدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى «خدماته اللوجستيّة»، إذ آزر تنظيم «جند الشام» خلال معاركه في قلعة الحصن (حمص) بإرسال مجموعة من المقاتلين اللبنانيين، ثم عمل على سحبهم بسيارته الخاصة وتهريب الأسلحة وإيداعها في أحد المنازل في وادي خالد.
ولذلك، صار ابن الـ26 عاماً فور إعلان «الدولة» أميراً شرعياً في وادي خالد، وهو الحائز على شهادة جامعيّة (دراسات إسلاميّة وشريعة) وتعرفه، منذ سنوات، المنابر الدينية في عكار.
وما إن ألقت المديريّة العامة للأمن العام القبض عليه مطلع الشهر الحالي، حتى اعترف بصفحات كثيرة من الأعمال، خصوصا بعد أن تحوّل إلى «أمير فعلي»، مباشرةً بعد إعلان البيعة في العام 2014 لـ «أمير المؤمنين أبو بكر البغدادي على السمع والطاعة».
ومن اعترافاته أنّه المسؤول عن تجنيد قتيبة الصاطم (20 سنة) الذي نفّذ عمليّة انتحاريّة في مطلع العام 2014 في حارة حريك، وكان غادر منزل ذويه في وادي خالد في كانون الأول 2013، بالاتفاق مع «أميره» عبد الله.
واعترف عبد الله بمعرفته بالسيارة المفخّخة التي قادتها جمانة حميّد من عرسال إلى بيروت على أن يتمّ استخدامها في عمليّة انتحاريّة في الضاحية الجنوبيّة، اذ إن الشاب الذي استلم السيارة منها هو بكر المحمود الذي جُنِّد على يد عبد الله أيضاً، قبل أن يصبح الإثنان نزيلا سجن روميه.
كاد عبد الله أن يعطي الضوء الأخضر لامرأة مصريّة تعرّف عليها عبر «فايسبوك» في أواخر العام 2015، لتنفيذ عمليّة انتحاريّة داخل لبنان. طلبت منه «أم حمزة المصري» في بادئ الأمر أن يساعدها في الدخول إلى لبنان بغية الالتحاق بـ «داعش» في العراق أو سوريا أو ليبيا، قبل أن تؤكّد له استعدادها لتنفيذ عمليّة انتحاريّة «ضد هدف عسكريّ في لبنان».
وعدها «ابو عبد الرحمن» (عبد الله) بأن يفكّر بالعمليّة، إلا أنّ «أم حمزة المصري» لم تسمع منه الإجابة التي تريدها، ولم تعلم أن «صديقها الافتراضي» صار في قبضة القوى الأمنيّة.
وحاول «الشيخ»، الذي كان يعطي دروساً دينيّة داخل مسجد الهيشة، إقناع بعض العسكريين بترك المؤسسة العسكريّة «كونها تحمي نظاماً كافراً»، فضلا عن أن وجودهم فيها «مخالف للإسلام».
وقد اعترف الموقوف أنّ «داعش» نجح عبر السوري «أبو صلاح التركماني» بإقناع أحد عسكريي الجيش اللبنانيّ بترك خدمته العسكريّة في الشمال، مؤكّداً أنّه يجهل هويّته ومصيره حالياً.
ومن أبرز ما اعترف به عبد الله أمام المحققين في الأمن العام هو مخطّط «داعش» لربط المناطق التي يسيطر عليها التنظيم في سوريا بمنطقة وادي خالد. فخلال تقدّم «داعش» عسكرياً في مناطق ريف حمص (تدمر، السّخنة، القريتين والدورة) في نهاية العام 2014، طلب «داعش» من عبد الله والأمير العسكري للتنظيم في وادي خالد محمّد الصاطم مساندة مقاتلي التنظيم لتمكينهم من الدخول من جهة ريف حمص الشمالي والشرقي إلى لبنان، على أن يتمّ تأمين السلاح من قبل الصاطم و»أبو يوسف».
وإذا كان تراجع التنظيم عسكرياً في ريف حمص قد أوقف تنفيذ هذا المخطّط، إلا أنّ «داعش» أبقى عينيه مفتوحتين باتجاه وادي خالد. وخلال العام 2015، أعلم «أبو صلاح التركماني» عبد الله بمخطّط «داعش» الجديد ـ القديم والذي يقضي بالسيطرة على وادي خالد، بالتزامن مع السيطرة على مدينة طرابلس وإعلان إمارة الشمال من عاصون، وذلك بعد استهداف مراكز وثكنات الجيش وباقي الأجهزة الأمنيّة بعمليّات انغماسيّة.
وعندما دقَّ تنظيم «داعش»ً النفير العام في وادي خالد، بدت خمس مجموعات عسكريّة في حالة جهوزية وهي: مجموعة عبد الله أ.(موقوف)، مجموعة الصاطم، مجموعة بلال الفرج (موقوف)، مجموعة معالي الدندشي (موقوف)، بالإضافة إلى مجموعة أبو بلال الحمصي الذي كان من المفترض أن يرسل أكثر من 400 عنصر من سوريا إلى لبنان بصفتهم لاجئين للإقامة في وادي خالد قبيل اعلان «ساعة الصفر» لبدء المعركة، على أن يتمّ إرسال السلاح اللازم لهم من جرود عرسال بواسطة مهرّبين محددين.
كيف بدأت رحلة (عبد الله أ.) الجهادية؟
استطاع عبد الله التواصل مع مجموعات متشددة عبر تطبيق «تلغرام»، كانت تُعنى بأخبار «داعش» وبأمور عسكريّة وأمنية منها كيفية صناعة المواد المتفجّرة والتشفير والتخفّي أمنياً. وبذلك، صار الشيخ العشريني مقتنعاً بنهج «داعش».
قلب لقاءه بالسّوري «أبو صلاح التركماني» في العام 2013 (قتل منذ 4 أشهر أثناء قتاله مع «داعش» في العراق) في مسجد الهيشة، الأمور رأساً على عقب. فقد توطّدت العلاقة بينهما ليصارحه «التركماني» بانتمائه إلى «داعش». ولمّا وجد الأخير أنّ عبد الله يؤيّد أفكار التنظيم، عرّفه عبر أحد التطبيقات على بعض مسؤولي «داعش»، وأبرزهم: المسؤول الشرعي للتنظيم في ريف حمص «أبو بلال الحمصي»، وأحد كبار الشرعيين في ريف حمص «أبو مصطفى العراقي»، والمسؤول عن تهريب المقاتلين من عرسال إلى جرود القلمون «أبو عثمان العرسالي»، ومسؤول التزكيات في سوريا والعراق «أبو سابر القرني».
صارت المهمّة الموكلة إلى عبد الله من قبل «داعش» أكثر وضوحاً: تجنيد شبّان وإرسالهم إلى سوريا. وهكذا استطاع تجنيد أكثر من 20 شاباً بعضهم قتل خلال المعارك إلى جانب «داعش» وتنفيذ عمليّات انتحاريّة أو ما زال موجوداً في أرض المعركة في سوريا كالسوري «أبو وليد» و «أبو قتيبة الشامي» و «مالوش» و «أبو حازم الشامي».. وبعضهم الآخر انتهى به المطاف في السّجون كاللبنانيين (بلال غ.) و (غازي س.) و (سليمان أ.) والسوري «أبو خضر».
خلال المعارك في طرابلس وبحنين بين الجيش ومجموعات إرهابية، ثم في عرسال، سعى «أبو عبد الرحمن الشامي» لفتح جبهة وادي خالد لاستهداف الجيش بهدف تخفيف الضغط عن المسلحين في المناطق الأخرى. ولذلك، حاول التواصل مع محمّد الصاطم لتأمين السلاح خلال معارك الشمال. ثم طلب أبو عبد الرحمن من «أبو سابر القرني» مدّ مجموعته بالمال والسلاح إلا أنّ الأخير ماطل، وسرعان ما انتهت المعارك في عرسال من دون أن يحقّق الشاب مبتغاه.