أواخر آذار الماضي، طالب رئيس جمعية المزارعين اللبنانيين انطوان الحويك “بإقالة وزير الزراعة في حال تمّ السماح بإدخال 12 ألف طن من البطاطا المصرية”، معتبراً أنَّ هذا الأمر “سيضرب إنتاج عكار من البطاطا الذي بدأ باكراً هذه السنة، وسيشكل كارثة على المنتجين المحليين”.
آنذاك، وصلت الشحنة إلى لبنان قبل يوم من انتهاء فترة السماح المحددة بـ31 آذار، أي مع بداية موسم البطاطا اللبنانية. كان من المفترض أن لا تدخل بسبب انقضاء فترة السماح، إذ إن عملية الكشف عليها تحتاج إلى أكثر من يومين، وبالتالي تكون قد تجاوزت المهلة. بعد اتصالات مصرية بوزير الزراعة أكرم شهيب، “بقي موظفو الحجر الصحي الزراعي ودائرة التصدير والاستيراد في وزارة الزراعة حتى منتصف الليل لإجراء الكشوفات عليها”. دخلت الشحنة وأغرقت السوق اللبنانية، ضاربةً المزارع اللبناني. شهيب نفسه الذي أصدر قراراً بمنع دخول الفواكه والخضر من سوريا لحماية المزارع اللبناني، أعطى إجازة بإدخال 12 ألف طن من البطاطا المصرية على مشارف الموسم العكاري.
لذلك يتوقع الحويك أن قرار منع استيراد الخضر والفاكهة من سوريا “سيلغى لمصلحة الإجازات المسبقة التي تحوي في طياتها الكثير من الاستنسابية والفساد، لأن هذا القرار وإن كان ظاهره اقتصادياً، فإن في طيّاته الكثير من السياسة”.
اليوم، يشعر مزارعو البطاطا في عكار بالغبن من القرار الصادر. لا يرفض هؤلاء القرار، لكنهم عاتبون على توقيته. يقول رئيس الجمعية التعاونية لمزارعي البطاطا في عكار عمر الحايك “كنا نتمنى لو أن قرار الوزير قد صدر منذ بداية هذا العام لحماية الانتاج العكاري بحيث إن البطاطا المصرية قد أغرقت الاسواق اللبنانية في عزّ إنتاج المواسم العكارية. فعكار اليوم غير مستفيدة من قرار الوزير”.
وفي البقاع، أيقن المزارعون أن الخسارة طالت مواسمهم بعد التدني السريع للأسعار، بنسبة ناهزت 120% مقارنة بأسعار الأعوام الماضية. فقد وصل سعر كيلو اللوز إلى 600 ليرة والكرز إلى 1250 ليرة، كذلك المشمش والدراق، وسط ترجيحات بانهيار إضافي للأسعار مع زيادة كمية العرض في ذروة الإنتاج البقاعي.
هذا الانهيار السريع في أسعار الفواكه نتيجة “اختناق” الأسواق التصريفية المحلية، إضافة الى الازمة التي بدأت مع سوريا، دفعا المزارعين إلى اعتماد الخيار الأصعب بالتخلي عن محاصيلهم من دون “حواش”. “يعني رح يبقى الرزق على أمّو”، يقول المزارع علي سماحة. حسم الرجل خياراته كما غيره من المزارعين، بعدما استنفدوا اتصالاتهم “بضمّاني” قطاف المواسم الزراعية الذين أكدوا عدم قدرتهم على ضمان المواسم لأن “السوق ميت”.
في باحة “حسبة” الفرزل الزراعية تتكدس أقفاص الفواكه والخضر في صناديق سيارات البيك ــ آب المتراصفة في خط طويل. يقول أحد تجار الحسبة إن السوق “غارق” بالمنتجات البقاعية من خضر وفواكه، في مقابل ضعف في القدرة على التصريف. ويقول أحمد حمية، أحد المزارعين الذين يستطلعون بشكل شبه يومي حركة السوق في الفرزل لمعرفة ما إذا كانوا سيقطفون مواسمهم أو أنهم سيتخلون عنها، أن “البكاء عند المزارعين ليس اليوم، بل عندما يبدأ الدائنون من صيدلية زراعية ورش المبيدات وحراثة أرض وعمال وأصحاب محطات المحروقات بمطالبة المزارع بديونهم”.
إلّا أنّ نقابة العمال الزراعيين تصوّب على مكمن الأزمة الحقيقي: “سبب هذه الأزمة ناتج من إهمال الدولة المتعمد للقطاعات الإنتاجية، والتقصير الكبير من قبل وزارة الزراعة بعدم تحمّل مسؤولياتها في تنفيذ أي أمر يتعلق بمعالجة مشكلاتهم”. فقد رأت النقابة أن “قرار وزير الزراعة مجتزأ، ولا يساهم في معالجة تسويق إنتاجهم، كما أن السوق المحلي مفتوح أمام كل إنتاج العالم، وهو ما يشكل ضغطاً على عموم الإنتاج الوطني”، مشددةً “على سياسة التكامل مع العالم العربي، وفي المقدمة الدولة المجاورة سوريا”. وعليه، طالب أمس رئيس جمعية المزارعين انطوان الحويك بـ”إطلاق مفاوضات مع الجانب السوري للتوصل الى روزنامة زراعية بين البلدين تحمي المزارعين اللبنانيين وتضع حداً للانفلات الحاصل”.