IMLebanon

هل تنتقل أزمة القانون الأميركي الى طاولة مجلس الوزراء؟

serail
جاسم عجاقة

السيادة الوطنية عبارة عن مجتمع يتكوّن من أراضٍ وسكان خاضعين لسلطة سياسية منظمة. لكن هذا المفهوم أخذ بالتطور خصوصاً مع الإرادة الذاتية للدول بالتعاون الجماعي على الصعيد العالمي. من هنا يُطرح السؤال عمّا إذا كان تنفيذ العقوبات الأميركية على حزب الله من قبل المصارف اللبنانية يُعتبر خرقاً للسيادة الوطنية؟عبّرت كتلة الوفاء للمقاومة عن إستيائها من الموقف الأخير لحاكم المصرف المركزي الذي إعتبرته «ملتبساً ومريباً وهو يشي بتفلّت السياسة النقدية من ضوابط السيادة الوطنية».

هذا التصريح ما هو إلا ردة فعل على إعلان حاكم مصرف لبنان إقفال 100 حساب مرتبط بـحزب الله واردة على لائحة مرسوم التطبيق للقانون الأميركي الذي يهدف إلى «تجفيف مصادر تمويل حزب الله» وعلى «المصارف والمؤسسات المالية التي تُنفذ أو تُسهّل عمليات لحزب الله أو مُناصريه».

بغض النظر عن البعد السياسي لهذا الأمر، يظهر إلى العلن مفهوم أساسي أبرزه بيان كتلة الوفاء للمقاومة ألا وهو السيادة الوطنية. فهل تطبيق العقوبات الأميركية من قبل المصارف اللبنانية هو خرق للسيادة الوطنية؟

التدخل الخارجي

إن مبدأ السيادة الوطنية هو أساس التعامل بين الدول في المجتمع الدولي خصوصاً على صعيد الأمم المُتحدة. فالمادة الثانية من شريعة الأمم المُتحدة تنصّ على أن منظمة الأمم المُتحدة «مبنية على مبدأ التساوي في السيادة بين كل الأعضاء»، وبالتالي من خلال مبدأ التساوي يتمّ الإعتراف بإستقلالية الدولة. لكن الأمر الذي يهمنا في هذه الحالة هو تداعيات مبدأ التساوي والتي يتقدمها مبدأ «عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلد صاحب السيادة».

وينصّ القرار الرقم 2625 للجمعية العامة للأمم المُتحدة على حرية الدولة صاحبة السيادة في إختيار نظامها السياسي، الاقتصادي، المالي، الاجتماعي والثقافي من دون أي تدخل للدول الأخرى في هذا الأمر.

لكن التاريخ يُخبرنا أن حرية الإختيار هذه تم خرقها في عدة مناسبات. فمثلاً في العام 1955، قامت الدول الأربع التي إحتلت النمسا بإجبارها على إعتماد نظام ديمقراطي مبني على الإستفتاء الشعبي. أما في العام 1997، فقد فرضت بريطانيا على الصين نظاماً خاصا بـ هونغ كونغ مبني على الحفاظ على النظام السياسي الموجود والذي يختلف جذرياً عن النظام الشيوعي القائم في الصين.

أما على الصعيد الاقتصادي، فإن خرق السيادة الوطنية واضح المعالم مع إنتشار العولمة خصوصاً في العقود الأخيرة حيث أصبح من شبه الطبيعي أن تطلب المنظمات الدولية كصندوق النقد الدولي، إجراء تغييرات في الأنظمة الاقتصادية والإجتماعية القائمة في الدولة صاحبة السيادة لكي تتمّ مساعدة هذه الدولة مالياً. وما يحصل في اليونان ترجمة فعلية لتدخل الدول في الشؤون الداخلية لليونان على الرغم من معارضة اليونانيين لهذه التغيرات.

لكن التبرير القانوني لخرق السيادة الوطنية إن سياسياً أو إقتصادياً أو إجتماعياً في كل مرة كان من خلال قبول الدولة صاحبة السيادة بالطلب الخارجي وحتى إقراره في التشريعات الداخلية لهذه الدولة لكي يتمّ إحترام السيادة كما نصّت عليها شرعة الأمم المُتحدة.

العقوبات على «حزب الله»

تحت ضغط المُجتمع الدولي، قام مجلس النواب اللبناني بإقرار قوانين تتعلق بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، التهرب الضريبي، ونقل الأموال عبر الحدود. هذه القوانين أُقرت في ظل خطر إدراج لبنان على لائحة الدول غير المُتعاونة ضريبياً في حال لم يتمّ التصويت عليها. وأتت العقوبات الأميركية على حزب الله لتُعقّد المشهد السياسي والإقتصادي الداخلي للبنان.

وخوف لبنان من التداعيات السلبية القاتلة على نظامه المصرفي دفع بمصرف لبنان إلى الإلتزام بتطبيق هذه العقوبات. فعدم الإلتزام بتطبيق العقوبات على حزب الله سيعرض لبنان ونظامه المصرفي إلى عقوبات شاملة تدخل في إطار تصريحات الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش الذي قال «يجب على الولايات المُتحدة فرض عقوبات على كل مؤسسة، مصرف أو دولة لا تلتزم بتطبيق العقوبات التي تُصدرها الولايات المُتحدة الأميركية».

وكلنا يعلم ماذا حصل مع كوبا التي طالتها العقوبات لمدة ستين عاماً، ومن يدخل إلى كوبا يرى بأم عينه معنى العقوبات حيث نرى بلداً في حال تخلّف إقتصادي وإجتماعي خطير دفع بالبابا يوحنا بولس الثاني إلى إنتقاد هذه العقوبات علنياً.

قدرة الولايات المُتحدة الأميركية الكبيرة مع حجم إقتصاد يوازي ثلث إقتصاد العالم، وسيطرتها على النظام التجاري العالمي الذي يستخدم الدولار الأميركي في العمليات التجارية العالمية، يجعل من شبه المُستحيل تفادي عقوبات إقتصادية تفرضها أميركا. وللتذكير فإن روسيا التي تُعاني اليوم من عقوبات إقتصادية بدأتها الولايات المُتحدة الأميركية منذ عدة أعوام، أصبحت أكثر ليونة في بعض الملفات الدولية.

وإذا كان مصرف لبنان يجد أن لا مهرباً من تطبيق هذه العقوبات وقام بإقفال 100 حساب مرتبط بـحزب الله وموجودة على لائحة العقوبات، إلا أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يسعى إلى ترشيد هذه العقوبات عبر رفض الإندفاع المُفرط لبعض المصارف والتي عمدت عن غير وجه حق إلى إقفال حسابات عائدة إلى أشخاص ومؤسسات لا ترد أسماؤهم على اللائحة الأميركية.

لا خوف على المصارف

إن التعقيدات التي تنتج وستنتج عن العقوبات الأميركية على حزب الله ستُعقّد بدون أدنى شكّ المشهد السياسي والإقتصادي الداخلي للبنان. وإذا كان هجوم حزب الله على حاكم مصرف لبنان يدخل ضمن هذه التداعيات، إلا أن مصرف لبنان لا يملك خياراً أخر خصوصاً أن السلطة السياسية لم تؤمّن له غطاء من خلال مجلس الوزراء.

وقد يقول البعض أن من المُستحيل التوصّل إلى قرار داخل مجلس الوزراء يخصّ العقوبات الأميركية وهذا حق، إلا أن دراسة هذا الملف في مجلس الوزراء كفيلة بالبحث عن طريقة عقلانية ورشيدة لتطبيق هذه العقوبات.

أيضاً يتوجب القول أن مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون تمويل «الإرهاب» دانيال غلايزر وخلال زيارته إلى لبنان، وضع سقفا للمواجهة مع حزب الله بقوله أن الولايات المُتحدة الأميركية لا تستهدف النظام المالي ولا الطائفة الشيعية في لبنان. من هذا المُنطلق يُتوقع أن يكون تطبيق العقوبات على حزب الله مادة للنقاشات السياسية التي ستُعاود ظهورها على جدول أعمال مجلس الوزراء.