Site icon IMLebanon

السعودية تسجّل أهدافاً بمرمى إيران في لبنان

كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: رغم الضوضاء السياسية التي تسكن لبنان والمبارزات الدائمة حول أحجام اللاعبين المحليين وخياراتهم وأدوارهم، فإن الوقائع الثابتة او تلك المتحركة تشي بأن المسار العام في لبنان وربما مصيره ايضاً يرتبط بـ “النسخة الباردة” من الحرب اللاهبة الدائرة بين ايران والمملكة العربية السعودية على امتداد قوس الأزمات المشتعلة في المنطقة.

وثمة مَن يعتقد في بيروت ان الملف اللبناني يتجلى في جوهره في مسألتين أساسيتين تحكمان مجمل المسار العام في البلاد، هما القرار الايراني باستمرار تعليق انتخاب رئيس جديد للجمهورية منذ اكثر من عامين، وتَحوُّل “حزب الله” جيشاً عابراً للحدود يقاتل في سورية والعراق وساحات اخرى في اطار أجندة المشروع الايراني.

وإذ تقلل أوساط واسعة الاطلاع من أهمية العناوين الأخرى السجالية كالانتخابات البلدية ونتائجها والصراعات المتوالية حول ملفات تعتبرها هامشية، ترى في إطالة أمد الفراغ في رئاسة الجمهورية من جهة وقتال “حزب الله” في الخارج من جهة ثانية تعبيراً عن جوهر الصراع الكبير حول التوازنات داخل السلطة والموقع الاقليمي للبنان.

وترى دوائر مراقبة في بيروت ان ايران نجحت في الإمساك بمفاصل اللعبة في لبنان من خلال “حزب الله” وحلفائه، وليس أدلّ على ذلك من إحباط مبادرة زعيم “تيار المستقبل” الرئيس سعد الحريري لإنهاء الفراغ الرئاسي بترشيح الشخصية الأكثر التصاقاً بـ”حزب الله” وهو النائب سليمان فرنجية في تطوّرٍ نوعي انطوى على خلط أوراق.

وتذكّر هذه الدوائر كيف انتقل “حزب الله” بآلته العسكرية الى سورية في العام 2013 يوم كانت دمشق مهدَّدة بالسقوط وانخرط في الحرب السورية على نطاق واسع في اطار عملية هدفت الى تعديل موازين القوى على الأرض على نحوٍ مكّن نظام الرئيس السوري بشار الاسد من تفادي السقوط وتالياً الصمود.

وفي تقدير أوساط سياسية بارزة في بيروت انه بعدما أدركت المملكة العربية السعودية انه أصبح لإيران اليد الطولى في لبنان، انبرت الى اتخاذ قرار بالمواجهة، وهو ما تجلى في ثلاثة عناوين على الاقل:

– إخضاع العلاقة مع الدولة اللبنانية الى مراجعة شاملة، كان اول الغيث فيها وقف برنامج هبة الأربعة مليارات دولار لتسليح الجيش اللبناني من المصانع الفرنسية.

– إطلاق حملة خليجية – عربية واسعة ضد “حزب الله” أفضت الى اعتباره “منظمة إرهابية”، وتالياً التعامل معه سياسياً وقانونياً على هذا الأساس.

– العمل على توحيد الطائفة السنّية في لبنان من خلال حض الزعماء والشخصيات والقيادات السياسية على تجاوز خلافاتهم ومغادرة تموْضعاتهم الى مستويات افضل من التعاون.

وفي تقويم لهذه الاندفاعة السعودية، ترى هذه الاوساط ان الرياض بـ “هجومها المعاكس” نجحت في تسجيل أكثر من انتصار في مرمى إيران، حيث تمكّنت من عزْل “حزب الله” خليجياً وعربياً ونزع اي مشروعية عنه كـ “مقاومة” بعد تورُّطه في سورية والعراق واليمن ودول خليجية.

ولم يكن المشهد اللبناني الجامع في العشاء السياسي، الذي أقامه قبل مدة السفير السعودي في بيروت علي عواض عسيري، أقلّ تعبيراً عن محاولة عزل “حزب الله” حيث اكتمل النصاب السياسي اللبناني على طاولة العسيري بمعزل عن الحزب.

غير ان الأكثر إثارة في المقاربة السعودية الجديدة للوقائع اللبنانية كان نجاح الرياض في إحباط ما عملت طهران على بنائه على مدى أعوام طويلة في الداخل اللبناني، وهو ما يُعرف الآن بتوحيد “البيت السنّي”.

وتورد الاوساط السياسية مجموعة من الوقائع في هذا السياق، منها ان الوزير السابق عبد الرحيم مراد الذي كان يُعتبر مرشح “حزب الله” لرئاسة الحكومة ابتعد عن حلفاء ايران وأصبح في كنف السعودية، كما ان الوزير السابق فيصل كرامي، السنّي الذي دخل الحكومة السابقة من حصة الشيعة، أصبح في الكنف السعودي ايضاً، وهو الأمر الذي يصحّ على شخصيات أخرى كانت محسوبة على “حزب الله” واختارت إما الحياد وإما رأب الصدع مع الرياض.

وثمة مَن يشير في هذا الاطار الى ان السعودية ستمضي قدماً في هذا الخيار، ولعل الإفطار الذي دعا اليه سفيرها في لبنان الجمعة المقبل، ينطوي على الدفع في هذا الاتجاه، حيث دعا إليه رئيس الحكومة الحالي تمام سلام ورؤساء الحكومات السابقين، اضافة الى مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان ومفتي المناطق.