Site icon IMLebanon

عندما تغيب السلطة يظنّ الرعديد أنّه سوبّرمان

 

 

 

 

كتب د. مصطفى علوش في صحيفة “الجمهورية”:

“إنّ الشجاع هو الجبان عن الأذى وأرى الجريء على الشرور جبان” أحمد شوقي

لو كان الإنسان كلّي القدرة لَما احتاج للعيش في مجتمع، ولا كان وضعَ القوانين والنُظم والقيَم الأخلاقية. لكنّ قناعة الإنسان بمحدودية قدرته جعَلته يسعى إلى التكامل مع آخرين هم أيضاً من ذوي القدرات المحدودة، في مجتمعات لها قواعدها التي تَحمي الفردَ الضعيف من جورِ القوي، وتحمي القويّ ممَن هو أقوى منه، وتعاقِب من يستقوي على الآخرين ضمن القوانين المتعارَف عليها.

في المحصّلة، فإنّ ما يَحمي الضعيف ويردَع القوي هو القانون وليس حُسن النوايا. قال نيتشه في “هكذا تكلّم زردشت” ما معناه بأنّ القواعد الأخلاقية ما هي إلّا حيَلٌ مِن صنعِ الضعفاء المقتنعين بمحدودية قدراتهم، أمّا الإنسان المتفوّق “السوبّرمان”، فهو غير ملزَم بأيّ قوانين أو قواعد أخلاقية، لأنّه يصبح على قمّة السلسلة “الغذائية البشرية”، كما الأسُود في السهوب والتماسيح في الأنهر، والقروش في البحار…

ما لنا وكلّ ذلك، فإنّ القانون وضَعه البَشر وتوافقوا عليه حتى يتمكّنوا من العيش سويّة في مجتمعات تتضارَب فيها المصالح وتتشابك، وقد أدّت الثورات والتطوّرات التي تتابعت على مدى القرنين الماضيين إلى وضعِ حتى “السوبرمان” المتمثل في الحاكم تحت مظلّة المؤسسات الدستورية المحلية والقوانين الدولية وشرعة حقوق الإنسان، ومع ذلك فما زال التفَلّت من العقاب عنواناً عريضاً لسلوك البشر، وسبباً لهدرِ الدماء.

عندما عرِض منذ سنوات شريط لأشاوس المقاومة وهم يطلِقون الرصاص الحيّ، في اتّجاه أحياء بيروت “المعادية” متلفّظين بأشنع العبارات المذهبية، توَعَّد المسؤولون بالمحاسبة والملاحقة، فتوسَّم بعضُنا خيراً بأنّ حلقة الفِتنة المفرغة يمكن كسرُها من خلال تطبيق القانون. إنتظرنا ولم يحدث شيء وانتصرَت الفتنة.

عندما اغتيلَ الشهيد سامر حنّا، سَلّم “حزب الله” فرداً من أفراده للمحاكمة، وظنّنا أنّ ذلك أوّلُ غيث الخضوع إلى منطق القانون، فخرَج القاتل المفترَض بكفالة ركيكة، ثمّ توارى وراء ستار الاستشهاد وانتصَر منطق الميليشيا.

عندما خطَف “مجهولون” طيّارين تركيّين، لمبادلتهم بمخطوفي إعزاز، تحوّلَ الناطقون بإسم الخاطفين إلى أبطال مذهبيّين بدلاً من أن يحاكَموا بتهمة الخطف، وهي جناية كبرى، وانتصَر منطق الشعبوية وشريعة الغاب.

عندما سقط عابرُ سبيل برصاصة أخطَأت ابنَه الصغير وعائلته، لتخترق رأسَه وتختطف روحَه، برصاصة مباشرة أطلقَها مبتهج بمواقف الأمين العام لـ”حزب الله” الخطابية، غاب القاتل تحت وهجِ آلاف البنادق والمسدّسات التي أطلقَها جمهور المقاومة وانتصر منطق تغييب الفاعل.

وهكذا عندما يصبح المتّهمون باغتيال رفيق الحريري قدّيسين، ويصبح يوم السابع من أيّار يوماً مجيداً، والمعتدون على القرى والمدن في سوريا شهداء للواجب الجهادي، هل نَستغرب عندها أن يقوم رعديد متخَفٍّ تحت برقعِ الحمية العشائرية بخطف عابر سبيلٍ وقتلِه، لمجرّد عِلمه بأنّه فوق القانون، وبأنّه سيتحوّل مِن قاتل مُفتنٍ وجبان، إلى بطلِ أخذٍ بالثأر، أو قدّيس واجَه التكفيريين، أو قد يذهب ليجاهد في حلب أو حمص أو حماة، أو نراه كتاجر المخدّرات المعروف يَجول على مواقع المقاومة مبدِياً رأيه ونصائحه لأخوته المجاهدين.

هل كان من الممكن حصولُ كلّ ذلك لولا سلاح المقاومة؟