أوضح مرجع أمني لـ”الجمهورية” أنّ التحقيقات الأوّلية أشارت إلى أنّ استهداف مصرف “لبنان والمهجر” في فردان، الأحد 12 حزيران، بعبوة أتى على خلفية القانون الأميركي الذي يَستهدف أموال “حزب الله” وحسابات قيادته ومسؤوليه وبيئته.
وأوضَح أنّ تكليف مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية صقر صقر فرع المعلومات بدءَ التحقيقات في الانفجار دفعَ الفرع إلى مباشرة تحليل وتفكيك محتويات أشرطة التسجيل الموجودة في المصرف ومحيطِه بحثاً عن خيط يؤدّي إلى منفّذ العملية.
وتوقّفَ المرجع أمام اختيار التوقيت في وقتٍ يكون فيه الشارع خالياً من المارّة بحكم توقيت التفجير مع “سفرة رمضان”، وهو ما وفّرَ وقوع مصابين بين المارّة المدنيين بعدما اختيرت الجهة الخلفية للمبنى لتُستهدفَ بالعبوة وليس الواجهة المقابلة للطريق العام حيث الحركة لا تتوقّف عادةً.
وأفادت معلومات صحيفة “الجمهورية” بأنّ تفجير فردان نقلَ المشكلة إلى المستوى السياسي، وستشهد الساحة السياسية تحرّكات في إطار حماية القطاع المصرفي، والدفاع عن مصالح اللبنانيين.
وسألت “الجمهورية” “حزب الله” عن ردِّه على الاتّهامات والأقاويل التي طالته، فارتأى التريّثَ بانتظار جلاء التحقيقات.
صحيفة “النهار” قالت: “لن يكون بعد انفجار مساء الأحد الذي استهدف “بنك لبنان والمهجر” كما قبله، ذلك ان التداعيات على القطاع الاكثر صموداً في الاقتصاد اللبناني لا بد ان تظهر تباعاً في ظل ضغوط خارجية وداخلية تربك العمل المصرفي سبقت بلوغ التهديد حد التفجير. واذا كان المنفّذون اختاروا مساء الاحد، ووقت الافطار، لتجنّب سقوط ضحايا، فان الهدف بدا جلياً بتوجيه رسالة الى المصارف.”
صحيفة “السفير” كتبت إن الرسائل التي انطوى عليها التفجير بدت هي الأخطر، من حيث استهدافاتها ومراميها التي هزت لبنان، بمصارفه وصيفه وأمنه ونسيجه الداخلي الهش.
ليس هناك أسهل من الافتراض الفوري، كما فعل البعض، بأن “حزب الله” يقف وراء التفجير بهدف تحذير المصارف من الغلو في تطبيق قانون العقوبات المالية الأميركية بحقه. إنه التفسير الأبسط الذي يستجيب لنداء الغرائز الكامنة أو المواقف المسبقة، من دون بذل أي جهد للتدقيق أكثر في أبعاد هذا الاعتداء المشبوه.
لكن، القليل من التمعن في ما حصل، يقود إلى الاستنتاج الأقرب إلى المنطق، وهو أن من فجّر المصرف، المعروف بأنه الأكثر تشددا في تطبيق العقوبات، إنما أراد بالدرجة الأولى الاستثمار في الخلاف بين المصارف و “حزب الله”، لتوسيع الهوة بينهما، وللتحريض على الحزب وتوجيه أصابع الاتهام نحوه، مع ما سيجره ذلك من تداعيات داخلية، من شأنها أن تؤجج الاحتقان المذهبي والتوتر السياسي، وبالتالي تهيئة المسرح أمام عروض الفتنة، المتنقلة بين ساحات المنطقة، والتي نجح لبنان حتى الآن في تفاديها.
إن المخطط الخبيث يبدو مفضوحا وناطقا، إلى حد صارخ وصريح، وكأن من يقف خلفه افترض أن مناخ الانقسام الداخلي يسمح له بأن يلعب “على المكشوف”، مطمئنا إلى أن هناك من هو جاهز، بانفعالاته المتأججة أو بنياته السيئة، لتلقف الحدث وتوظيفه في الاتجاهات المفخخة.
وبالفعل، وقبل أن ينقشع دخان الانفجار، هرول البعض إلى “الفخ” المنصوب، عبر اتهام الحزب تصريحا أو تلميحا، من دون الاتعاظ من التجارب السابقة الحافلة بالدروس والعبر. سارع المصطادون في الماء العكر إلى ممارسة هوايتهم في الهواء الطلق، واستعجل ممتهنو تصفية الحسابات نفض الغبار عن دفاترهم، في حين ان أضعف الإيمان يستوجب انتظار انتهاء التحقيقات، حتى يبنى على الشيء مقتضاه.
ومن المفارقات، أن بعض الإعلام المحسوب على جهات خليجية لم يتردد في تحميل “حزب الله” مسؤولية تعريض القطاع المصرفي إلى الخطر، في حين أنه لم يمضِ وقت طويل بعد على تدابير موجعة اتخذتها السعودية، على سبيل المثال، من قبيل إقفال البنك الأهلي السعودي في لبنان وسحب ودائع مالية، الأمر الذي كان له التأثير السلبي المباشر على الوضع المصرفي في لبنان!
إن ما يكاد يكون واضحا، برغم الضجيج والغبار، هو أن المستهدَف من تفجير “بنك لبنان والمهجر” هما “حزب الله” والقطاع المصرفي على حد سواء، وأي تفسير آخر يخدم الجريمة ويساهم في تحقيق أهدافها، عن قصد أو غير قصد.
وحسنا فعل مدير البنك المستهدف سعد الأزهري في عدم استباق التحقيق، محاذرا توجيه اتهامات متسرعة، وداعيا إلى عدم الشروع في استنتاجات مسبقة، فيما بدا بعض السياسيين، في المقابل، ملكيين أكثر من الملك، بل مصرفيين أكثر من المصارف، مع الإشارة إلى أن جمعية المصارف ستعقد اليوم اجتماعا طارئا للبحث في التطور المستجد، فيما أكدت مصادر مقربة منها لـ “السفير” أن المطلوب تحييد هذا القطاع وحمايته، لأنه احد صمامات الأمان الوطنية القليلة التي لا تزال تعمل.
وفي كل الأحوال، يجب أن يدفع ما جرى إلى مقاربة جديدة لملف العلاقة بين “حزب الله” من جهة، والمصارف وسلامة من جهة أخرى، بعدما وصل اللعب بالنار إلى حد محاولة الإيقاع بين الجانبين واستدراجهما إلى معركة عبثية لن يخرج منها أي رابح.
ولعله بات من الملح إخراج هذا الملف سريعا من دائرة التداول الإعلامي وتناوله بمسؤولية شديدة، على قاعدة حوار رصين وموضوعي حول أنسب الطرق للتعامل مع قانون العقوبات المالية الأميركية، بشكل يراعي مصالح القطاع المصرفي واعتبارات “حزب الله”، خصوصا تلك المتعلقة بحقوق شريحة واسعة من المنتمين إلى بيئته الحاضنة. ولا بأس في أن يضع مجلس الوزراء يده على هذه القضية، وأن يخصص جلسة للبحث فيها، بعدما اكتسبت أبعادا سياسية واقتصادية ونقدية وأمنية، شديدة الحساسية.
صحيح، أن تفجير الأمس لم يتسبب في خسائر بشرية، لكن الخسائر الأخرى المترتبة عليه ستكون باهظة ما لم يجر تداركها بالحكمة المطلوبة من جميع الأطراف. وليس خافيا في هذا الإطار أن “عصف” العبوة الناسفة، كما الاشتباك حول آليات تطبيق القانون الأميركي، من شأنهما أن يُعرّضا القطاع المصرفي إلى تهديد قد يكون الأول من نوعه منذ وقت طويل، إذا لم تتم المسارعة إلى تحصين هذا القطاع، وتحييده عن التجاذبات السياسية، وتقليص حجم تأثره بالضغوط الأميركية المتصاعدة على وقع الحرب التي تشنها واشنطن ضد “حزب الله”، مستخدمة فيها كل أنواع الأسلحة، بما فيها تلك المحرّمة ماليا.
من جهتها، كتبت صحيفة “الأخبار”: “أنه ليس خافياً على أحد أن حزب الله دخل في مواجهة مع بعض القطاع المصرفي، بعدما قرر جزء من هذا القطاع تنفيذ قانون العقوبات الأميركية على الحزب، بطريقة تسعى إلى خنق بيئة المقاومة في مؤسساتها الاستشفائية والاجتماعية. وفي هذه اللحظة، قرّر طرف ما أن يدخل على الخط، بتفجير إرهابي استهدف “بنك لبنان والمهجر”، ليضع المقاومة في خانة الاتهام، ومحاولة محاصرتها بالفتنة بعد العقوبات.
سياسياً، كما تقول “الأخبار” وقع التفجير في لحظة اشتباك بين بعض المصارف (وعلى رأسها “لبنان والمهجر”) من جهة، وحزب الله من جهة أخرى، على خلفية قانون العقوبات الأميركي بحق الحزب. وهذا الاشتباك يجري كسفينة بلا ربّان. فالبلاد بلا رئيس، والحكومة نفضت يدها من الازمة، وحاكم المصرف المركزي رياض سلامة عاجز، حتى الآن، عن الإمساك بالعصا من وسطها. أما أمنياً، فالانفجار دوّى بعدما أوقفت الأجهزة الامنية خلايا تابعة لتنظيم “داعش” الإرهابي، أقرّ أعضاؤها بالإعداد لتنفيذ هجمات في بيروت، ضد مؤسسات غير عسكرية، وأماكن يرتادها المدنيون. وقبل الانفجار بيومين، عمّمت استخبارات الجيش برقية على مختلف الاجهزة الأمنية، تقول فيها إن لديها معلومات عن تخطيط “جبهة النصرة” للقيام بأعمال إرهابية تستهدف منطقة بيروت ــ الحمرا. أما الأهداف المحتملة فهي: دوريات الجيش وشخصيات سياسية وأمنية تتجول من دون مواكبة، وذلك بواسطة عبوات لاصقة.
وفي السياق، أكّد وزير العمل سجعان قزي في حديث لصحيفة “الجمهورية” أنّ تفجير فردان هو “محاولة لاغتيال القطاع المصرفي، ويُفترَض أن يقوّي القطاع المصرفي لا أن يُضعفه”. وقال: “أعتقد أنّه من المناسب أن تجتمع جمعية مصارف لبنان برعاية حاكم مصرف لبنان، وأن تعلن الإضراب العام على الأقلّ ليوم واحد، وهذه المبادرة هي بمثابة ردّ ورسالة تقول: إرفعوا أيديَكم عن مصارف لبنان”.