اشارت مصادر ديبلوماسية عربية وغربية الى انه لا يبدو في المدى المنظور أن انتخاب رئيس جمهورية جديد للبنان سيوضع على نار حامية، وهذا من شأنه أن يعزز الاعتقاد السائد بأن الانتخابات النيابية ستجرى في موعدها في الربيع المقبل لأن هناك استحالة حتى الساعة في التمديد للبرلمان الممدد له حالياً لتفادي ردود الفعل الشعبية على ترحيل الديموقراطية وتأجيل العمل بها أسوة بالرئاسة الأولى.
وتؤكد المصادر نفسها لصحيفة “الحياة” أن جملة اعتبارات تدفع في اتجاه التمديد للفراغ الرئاسي، وتقول إن إجراء الانتخابات النيابية سيفرض نفسه كأمر واقع على القوى السياسية الفاعلة التي ستجد نفسها محرجة في تعطيلها في ظل غياب الذرائع التي يمكن أن يستخدمها هذا الفريق أو ذاك لتبرير تأييده التمديد للبرلمان، خصوصاً أن إجراء الانتخابات البلدية في موعدها أدى الى محاصرة من يفكر بأن لديه القدرة على تعطيلها أو ترحيلها.
وتلفت المصادر إلى أن لبنان ليس مدرجاً حتى إشعار آخر على سلم الأولويات دولياً وإقليمياً، وأن اهتمام المجتمع الدولي محصور في إطفاء الحرائق المشتعلة في أكثر من مكان، ما يفسر دعوته القوى السياسية الى التوافق لإنجاز الاستحقاق الرئاسي والعمل على تحييد لبنان من خلال دعمه للتوأمة التي تجمع بين الاستقرارين الأمني والنقدي لأن هناك استحالة في تحقيق حد أدنى من فصل المسار المالي وحمايته عن المسار الآخر المتمثل بقطع الطريق على المحاولات للعودة بالبلد الى الوراء.
وترى المصادر أن انشغال المجتمع الدولي النزاعات الدائرة في المنطقة، لا يعفيه من مسؤوليته المعنوية حيال لبنان وهو لذلك ينصح القوى المحلية الفاعلة، بأن لا مفر أمام المعنيين بإنجاز الاستحقاق الرئاسي من التوافق، وأن مسؤوليتهم تكمن في تضافر الجهود لفتح ثغرة في جدار الحائط المسدود لعلها تنهي الشغور في رئاسة الجمهورية باعتبار أنها المفتاح للولوج الى حل المشكلات الأخرى، لا سيما أن تعذر انتخاب الرئيس، يؤخر انتظام المؤسسات الدستورية وهذا يشل قدرة البرلمان على التشريع من ناحية، ويغرق الحكومة في أزمة تلو الأخرى، كانت كلها وراء تراجع إنتاجيتها، لأن إدارة جلساتها من جانب رئيسها تمام سلام محكومة بالمراعاة حيناً وبالمسايرة أحياناً أخرى وإلا يتعذر انعقاد اجتماعاتها.
وتعترف المصادر بأن الأبواب السياسية موصدة أمام “لبننة” الاستحقاق الرئاسي، هذا قبل أن تتصاعد المعركة بين حاكمية البنك المركزي و”حزب الله” على خلفية العقوبات المالية المفروضة عليه. فكيف سيكون الوضع مع استمرارها في ظل تعذر الحلول “الرضائية”؟
وتنقل المصادر الديبلوماسية عن لسان كبار المسؤولين الروس الذين هم على تواصل مفتوح مع القيادة الإيرانية قولهم إن طهران تحيل من يسألها عن الضغط على “حزب الله” لتسهيل انتخاب رئيس جمهورية على الأخير، بذريعة أنها لا تتدخل في الشأن الداخلي وأن القرار بيده.
إلا ان المصادر هذه لا تأخذ بذريعة طهران على محمل الجد، خصوصاً في ضوء الأسئلة التي تطرحها على سائليها في شأن تسهيل انتخاب الرئيس. ومنها كيف تطلبون منا التدخل لدى “حزب الله” وهو يتعرض الى حصار مالي يتلازم حالياً مع سعي واشنطن لدى دول المجموعة الأوروبية لإدراج اسمه على لائحة الإرهاب من دون التمييز بين جناع مدني وآخر عسكري.
وبكلام آخر يفهم من الموقف الإيراني – وفق المصادر ذاتها – أن طهران تشترط العودة عن العقوبات المالية المفروضة على “حزب الله” كمدخل لإقناعه بوجوب تسهيل عملية انتخاب الرئيس.
لذلك، تتصرف طهران وكأنها ليست مستعجلة للعب دور في فك أسر رئاسة الجمهورية كأساس لإعادة انتظام العمل داخل المؤسسات الدستورية، إضافة الى أنها تحبذ التريث في التمديد للفراغ الرئاسي لاعتبارات تتعلق بالحرب الدائرة في سوريا والنزاعات الطائفية والمذهبية التي يتخبط فيها العراق على هامش تشديد الحملات العسكرية ضد المجموعات الإرهابية وأولها “داعش” في سوريا والعراق.
وفي هذا السياق تعتبر المصادر الديبلوماسية ذاتها بأن طهران لن تفرط بالورقة اللبنانية وتصر على الإمساك بها، ليس لأن حليفها “حزب الله” يدعم ترشيح العماد ميشال عون ويستمر في مقاطعته جلسات الانتخاب ما لم يضمن انتخابه، وإنما لأنها تتمسك بالتلازم بين حل الأزمة اللبنانية وبين الصيغة النهائية التي يمكن أن يستقر عليها الوضع في سوريا.
وتؤكد بأن انتخاب الرئيس أقحم في سوق المقايضة أو بالأحرى التسويات التي يمكن أن تنهي الحروب المشتعلة في المنطقة، خصوصاً إذا ما أحست طهران بأن لا مستقبل لحليفها الرئيس بشار الأسد في التسوية السورية التي ما زالت عالقة مع تعثر المفاوضات في جنيف.
ولم تستبعد المصادر هذه أن يكون وقوف “حزب الله” الى جانب عون في رئاسة الجمهورية بمثابة ذريعة تتذرع بها تحت عنوان، أن له ديناً سياسياً في ذمته يستدعي منه الوفاء لهذا الحليف الذي كان وراء تأمين الغطاء السياسي لتدخله في سوريا الى جانب الرئيس الأسد ضد معارضيه، بغية صرف الأنظار عن موجب آخر يتعلق بقراره في تأخير انتخاب الرئيس الى حين استقرار الوضع الملتهب في سوريا على تسوية سياسية ليتأكد من خلالها من دوره في النظام الجديد من خلال إمساكه بالورقة اللبنانية.
وتضيف المصادر الديبلوماسية أن أحداً لا يستطيع الوقوف في وجه إجراء الانتخابات النيابية حتى لو تعذر انتخاب الرئيس، لكنها تشكك في أن تدفع في اتجاه تسهيل إنجاز الاستحقاق الرئاسي حتى لو توافرت ضمانات من جانب القوى السياسية الفاعلة بأن البرلمان المنتخب سينتخب فوراً الرئيس.
وتتابع: إن مثل هذه الضمانات تحتاج الى كفيل إقليمي ودولي، مع أن هذا الكفيل لم يمنع إسقاط “اتفاق الدوحة” من جانب قوى 8 آذار عندما قررت الإطاحة بحكومة الرئيس سعد الحريري، وكذلك لم يكن حاجزاً في وجه انقلاب معظم هذه القوى على “إعلان بعبدا” إبان عهد رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان.
وترى أن مثل هذا الكفيل لن يتأمن ما لم يشعر “حزب الله” ومن خلاله إيران بأنه مرتاح الى وضعه السياسي في المستقبل ولا شيء يدعوه للقلق. مع أنها تستبعد لجوءه الى قلب الطاولة في حملته التصاعدية على “مصرف لبنان” بحجة اعتباره أن موقف الحاكم رياض سلامة من العقوبات الأميركية جاء ملتبساً ومريباً، ويشي بتفلت السياسة النقدية من ضوابط السيادة الوطنية.
وتعزو المصادر السبب الى أن قلب الطاولة على “مصرف لبنان” سيؤدي حتماً الى فرط الحكومة وهذا ما لا يريده “حزب الله” في الوقت الحاضر، ليس لأنه مع الحفاظ على الاستقرار في البلد فحسب، وإنما لشعوره بأن مثل هذه الخطوة لن تصرف في مكان.
وتعتقد أيضاً بأن العقوبات المالية الأميركية على “حزب الله” تدفعه الى عدم التفريط بإمساكه بورقة الرئاسة الأولى وبالتالي الاستمرار في التمديد للفراغ، لأن مجرد انتخاب الرئيس في ظل استمرار هذه العقوبات سيؤدي حكماً الى تشكيل حكومة جديدة.
وتضيف أن أي حكومة جديدة لن تعطي “حزب الله” ما أعطته له حكومة “المصلحة الوطنية” برئاسة سلام في بيانها الوزاري، إضافة الى أنه قد يترتب على مشاركته فيها، تداعيات تتجاوز الحزب الى موقف من الحكومة العتيدة بذريعة أنها تمنحه تغطية سياسية في ظل تصاعد وتيرة العقوبات المالية عليه.