كتب د.ناصر زيدان في صحيفة “الأنباء” الكويتية:
انقسم الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي أسسه انطوان سعادة في ثلاثينيات القرن الماضي الى قسمين.
كانت مرجعية القسم الاول في دمشق (جناح عبد المسيح) ويرأسه اليوم وزير المصالحة السوري علي حيدر، اما الجناح الثاني فكانت قيادته في بيروت (المجلس الاعلى) ويرأسه النائب اسعد حردان.
وبين هذين الجناحين عاشت مجموعات متنوعة من القوميين السوريين في كنف أجهزة الأمن السورية، وكانت تتلقى الأوامر مباشرة من ضباطها، ذلك على الأقل ما صرحت به علنا بعض الكوادر القومية على اثر اغتيال عميد الدفاع محمد سليم في 3/6/1985 في الصرفند.
وتداخل العلاقة بين الحزب القومي وحزب البعث العربي الاشتراكي يعود الى زمن بعيد، وشهدت وئاما وتعاونا أحيانا، وخصاما وتقاتلا أحيانا أخرى.
والبارز في سياق هذه العلاقة الغامضة، ان السبب الرئيسي لانشقاق الحزب السوري القومي الاجتماعي الى شطرين، كان اغتيال الضابط البعثي عدنان المالكي على يد عناصر قومية في أحد شوارع دمشق قبل 60 عاما.
بعد ما سمي «الحركة التصحيحية» التي حصلت داخل حزب البعث في سورية وادت إلى وضع قيادات بعثية وازنة في السجن، غلبت القيادة البعثية الجانب الأمني على حراكها في مختلف المجالات، وقد تأثرت الأحزاب والحركات اللبنانية بهذه المعادلة الجديدة، حيث أصبحت الولاءات الشخصية او تقديم الخدمات الأمنية، هي السمة الغالبة، ولها الأولوية على العقيدة.
وأصيب الحزب السوري القومي الاجتماعي الى حدود كبيرة بهذه الوضعية، بحيث منع عليه اختيار المبادرة في أوقات كثيرة، خصوصا انه حزب غير طائفي واجتماعي غني بالتنوع بين كوادره في مختلف المناطق والبلدات اللبنانية والسورية، وأصبح أسير المعادلة الإقليمية التي قيدت ليبراليته العلمانية في مجالات عديدة.
يعود جناحا الحزب القومي الى الوحدة اليوم، ومؤتمر ظهور الشوير بحضور الرئيسين علي حيدر واسعد حردان نقطة الانطلاق لهذه الوحدة.
ولو تنكر الفريقان، فإن ضعف تأثير أجهزة الأمن السورية له الفضل الاول في تحقيق هذا الاندماج.
ويترافق توحيد «القومي» مع انشطار عمودي داخل حزب البعث العربي الاشتراكي الذي يوالي القيادة القومية في سورية ـ الفرع اللبناني ـ وربما يكون هذا الانشطار ايضا، بسبب ضعف تأثير أجهزة الأمن السورية التي لم تكن تسمح بأي انقسام في صفوفه سابقا.
النائب عاصم قانصوه عضو القيادة القومية في الحزب اعلن عن انتخاب قيادة قطرية لبنانية للحزب برئاسته، انبثقت عن المؤتمر العاشر، وبإشراف القيادة القومية في دمشق، ضمت إليه عددا من الوجوه البعثية المعروفة.
وقانصوه مشهور بشفافيته المفرطة احيانا وسط غابة من التكتم أو السرية التي يشتهر بها البعثيون.
أعقب إعلان قانصوه عن هذا الإجراء، إعلان سهيل القصار ـ القيادي البعثي البيروتي ـ عن ولادة قيادة قطرية للفرع اللبناني من حزب البعث ذاته، يترأسها مع نائبه علي المقداد ومجموعة من الكوادر البعثية الأخرى.
انشطار «البعث» وتوحيد «القومي» في هذا الوقت بالذات، لا يمكن فصلهما عن تطورات الأحداث في سورية.
والحدث ربما يدل على انفلات زمام الأمور من القيادات البعثية في سورية، وعلى تلاشي قدرة الأمن على التحكم في الأوضاع، فما جمعته هذه الأجهزة يتفكك، وما ساهمت في تفكيكه يجتمع.
واكثر من ذلك فإن ما حصل داخل الحزبين المذكورين الحليفين للنظام السوري يؤكد ان اهتمامات القيادة السورية اصبح في مكان آخر.