سامر الحسيني
لأشهر خلت كان مجرد الحديث عن الحدود السورية ـ اللبنانية البرية سلبا، يستدعي مخاوف وهواجس وصرخات زراعية للنأي عما يسمونه شريانهم الحيوي وطريقهم الوحيد لتصريف أكثر من 85 في المئة من إنتاجاتهم الزراعية.
إنما بات الواقع حالياً معاكساً تماماً، ويمكن القول إن السكوت الذي تطبقه كل النقابات والتعاونيات الزراعية على قرار وزير الزراعة أكرم شهيب الذي قضى بإقفال الحدود اللبنانية أمام الإنتاجات الزراعية السورية، مرده الى رضى هذه النقابات على هذا القرار، وعليه لم يصرخ أحد ضد قرار إقفال الحدود اللبنانية ـ السورية في وجه الانتاج الزراعي القادم من سوريا والذي لطالما شكت منه في الفترة الماضية كل القطاعات الزراعية من جراء ما عانته من إغراق، تسبب في إلحاق ما يكفي من ضرر فادح ومكلف في قطاع الانتاجات الزراعية اللبنانية العاجزة عن المنافسة في ظل انهيار سعر الليرة السورية، الامر الذي أدى الى انخفاض إضافي في قيمة السلع الزراعية السورية المستوردة.
الصمت الزراعي في البقاع على القرار بإقفال الحدود، يلفه كاتم للصوت من قبل أغلب المزارعين وقطاعاتهم التي يبدو أنها تنفست الصعداء نوعا ما في هذا القرار، وهذا ما يبرر الارتفاع الذي طرأ على بعض السلع الزراعية على اثر توازن حركة العرض مع الطلب، وهذا ما كان مفقوداً في الفترة السابقة.
التهويل بإقفال الحدود البرية أمام حركة التصدير الزراعي، لا يجد صداه عند المصدرين الزراعيين الذين يؤكدون أن حركة التصدير الزراعي باتجاه سوريا في تراجع مستمر منذ العام 2012 وهذا ما توثقه إحصاءات غرف التجارة في لبنان ومنها غرفة زحلة التي تشير في تقريرها السنوي لصادرات العام 2014 الى تراجع بلغ 21 مليارا في حجم الصادرات الزراعية قياسا على صادرات العام 2013، كما ان الصادرات الزراعية في العام 2015، تراجعت أيضاً بما يزيد عن 99 مليارا، ومرد هذه التراجعات السنوية الى تراجع حركة الصادرات باتجاه الداخل السوري، إلا ان العامل الاكبر والمسبب لتراجع الصادرات الزراعية يعود الى إقفال الحدود البرية بين سوريا والاردن عند معبر النصيب الذي كان يشكل في ما مضى المعبر الاساسي لكل الحركة التصديرية الزراعية، الامر الذي يعني انتفاء الحاجة للطريق البرية السورية.
يعتبر العشرات من المزارعين أن قرار الاقفال ساهم في تحسن اسعار بعض الانتاجات الزراعية اللبنانية على مثال البندورة والخيار والحشائش وبعض أصناف الفاكهة التي لا تزال أسيرة الحدود الشمالية في البقاع والمشرعة على كل قوافل التهريب التي تضخ في الاسواق الزراعية مئات الاطنان من الانتاجات الزراعية السورية في ما يشبه إعدام مواسم لبنان الزراعية.
قد يكون هذا الرضى عن القرار الزراعي مؤقتا، وصلاحيته تدوم مع استمرار إقفال الطريق البرية السورية والحدود الاردنية ـ السورية، إلا أن إعادة فتح الطريق الدولية بين سوريا والاردن، ستضع نهاية لهذه الصلاحية، وعندها سيكون الحديث عن الحدود السورية ـ اللبنانية سلبا، أمراً كارثياً وسيعود الى سابق عهده كنوع من المحرمات، وهذا ما يشير اليه عضو تجمع مزارعي وفلاحي البقاع المزارع طانيوس مساعد الذي يتحدث لـ «السفير» عن مخاوف انتقامية قد يلجأ اليها الجانب السوري عندما يستعيد الوضع الطبيعي والمستقر للطريق الدولية السورية مع الاردن الذي يعد المعبر الاساسي لقوافل التصدير اللبنانية بشقيها الزراعي والصناعي.
يأمل مساعد أن ينسحب حرص الوزير شهيب على حقوق المزارعين على موضوع منع دخول البطاطا اللبنانية الى الاسواق الاردنية التي ترفض استيراد اية كمية من البطاطا اللبنانية وتمنع البواخر البحرية من إفراغ أية حمولة من الانتاج اللبناني، وهنا نريد حل هذه العقبة أو المعاملة بالمثل.
في المقابل، ثمّنت قطاعات زراعية قرار الوزير شهيب بالإقفال، وللدلالة على صوابية القرار الرسمي تؤشر هذه القطاعات الى موضوع ارتفاع الاسعار، الامر الذي أوقف مسلسل الخسائر المتلاحقة عند المزارعين ومنهم رئيس تجمع مزارعي وفلاحي البقاع ابراهيم الترشيشي الذي يصف قرار الإحجام عن الاستيراد الزراعي من سوريا بـ «القرار الصائب» وكان لا بد منه، لا سيما أنه مطلوب من كل المزارعين.
يرفض الترشيشي السجالات التي ترافق هذا القرار الاقتصادي والبعيد عن السياسة، مؤكدا أنه ليس هناك من إقفال للحدود بل إحجام عن الاستيراد في هذا الوقت الذي يصادف مع ذروة الانتاج الزراعي اللبناني، فليس من الطبيعي ان نفتح ونشرع حدودنا للسلع الزراعية من أي بلد أتت وفي الوقت نفسه لا يمكننا منافستها كونها منخفضة عن كلفة الانتاج اللبناني بأكثر من 75 في المئة، في ظل انهيار أسعار الليرة السورية.
في المقابل، يشدد الترشيشي على أولوية مكافحة التهريب والتشدد في قمع هذه الظاهرة التي «خربت» بيوت آلاف المزارعين ومكافحة من يعمل على استيراد هذه السلع المهربة، وخصوصا ان المئات من التجار السوريين بات لهم وجود ظاهر وأكثر من الحضور اللبناني في كل الاسواق الزراعية.
يتوافق كلام الترشيشي مع تأكيدات المزارع والمصدر وجيه العمري الذي يعتبر القرار بوقف الاستيراد تلبية لمناشدات المزارعين وهو المرتجى عند آلاف من المزارعين ولا نريد العودة عنه في هذا الوقت، خصوصاً ان وقف الاستيراد من سوريا لم يأت إلا وفق مصلحة القطاع الزراعي في لبنان.