كتب نقولا ناصيف في صحيفة “الأخبار”:
في استنتاج مبكر، وُضع انفجار فردان الذي طاول الاحد المقر الرئيسي لبنك لبنان والمهجر في خانة سجال اندلع قبل أيام بين حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وحزب الله.
في 9 حزيران، في موقف غير مألوف يصدر عن الحاكم المطبوع في الغالب بلغة هادئة مطمئنة غير استفزازية، كشف عن «إقفال مئة حساب» مرتبط بحزب الله تطبيقاً للقانون الاميركي الخاص بمكافحة شبكة تمويله، وأصرّ على التزام مصرف لبنان تنفيذ قانون فرض عقوبات على الحزب بقوله انه لن يوافق على «أموال غير مشروعة» وعلى «إفساد عدد قليل من اللبنانيين صورة البلاد او اسواقها المالية».
سرعان ما ردّ حزب الله عليه في الغداة، 10 حزيران، بلغة لم يعتدها بدوره في مخاطبته سلامة، اذ وصف كلامه بـ«الملتبس والمريب» يشي بتفلّت السياسة النقدية من «ضوابط السيادة الوطنية».
تبعاً لذلك أتى انفجار فردان كي يجزم بتصعيد الخلاف بين الحاكم والمصارف اللبنانية وحزب الله على نحو من شأنه ان يجعل منه رسالة سياسية بوجه أمني، اكثر منه رسالة امنية بوجه ارهابي. للتو استبعد دور التيارات التكفيرية والمنظمات الارهابية التي نادراً ما ترأف بضحاياها، وعُدّ الانفجار جزءاً من الكباش على القانون الاميركي.
اكثر من تفسير اعطي لكل من موقفي الحاكم والحزب حيال سجالي 9 حزيران و10 منه، ومن ثم تداعيات انفجار فردان الذي اعقبهما:
اولها، انه لا يسع حاكم مصرف لبنان، المسؤول المباشر عن سلامة النظام المالي في لبنان وديمومة استقراره واستمرار في صلب النظام المالي الدولي، تجاهل القانون الاميركي واهمال تنفيذه. في اجتماعات سابقة بالحزب بدا انه اقنعه بضرورة التزام لبنان الاجراءات الاميركية من اجل المحافظة على موقعه في قلب النظام الاقتصادي والمصرفي الدولي كي لا يتحول الى كوبا ثانية، في وقت لا يملك الحاكم اغضاب واشنطن التي لا تكتفي بالاصرار على احترام النظام المصرفي اللبناني العقوبات وتطبيقها، بل ممارسة مزيد من الضغوط على حزب الله وتضييق الخناق على مصادره المالية.
قد لا يكون سلامة توخى ارضاء الاميركيين مقدار ما خاف من ردود فعلهم. بين ان تزعل واشنطن او يزعل حزب الله، اختار الثاني.
ثانيها، في معزل عن الجهة الجانية، انطوى الانفجار على رسالة مزدوجة الى المصارف اللبنانية من خلال المصرف المستهدف ــــ وقد لا يكون وحده المقصود ــــ كما الى حزب الله: التهويل على تلك بعدم المضي في اجراءات لا تستطيع الا ان تمضي فيها، وتوجيه اصابع الى ذاك على انه المشتبه به في تخويف الحاكمية والمصارف. والانتقال من ثم من الوظيفة الامنية للانفجار الى اخرى سياسية، تضع الاستقرار الداخلي في خطر داهم.
بالتأكيد لا يستهدف انفجار فردان القانون الاميركي، ولا يسع اي طرف في الداخل التأثير على نفاذه، رغم جهود تلاحقت في الاشهر الاخيرة للحؤول دونه عبر مهمات في واشنطن لوزير المال علي حسن خليل، ثم لوفد نيابي لبناني برئاسة ياسين جابر، بتكليف من الرئيس نبيه بري، ناهيك بالزيارة الاخيرة للمدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم للعاصمة الاميركية وما قيل عن تطرقه هناك الى هذا الملف. الثلاثة مسؤولون شيعة توخوا ابعاد كأس العقوبات عن حزب الله وتفادي الإضرار بالطائفة.
ثالثها، لا يزال ثمة سؤال غامض يرتبط بتبرير انفجار فردان، هو انه توسل العنف لتصفية حسابات ام رمى الى توجيه رسالة سياسية؟ عام 2005 ادى استخدام العنف الى قلب الاوضاع في لبنان من خلال سلسلة محاولات اغتيال واغتيالات، كي تُفرض معادلة سياسية جديدة في البلاد تحكم القبض على السلطة فيها لم تصمد اكثر من ثلاث سنوات، وانهيارها في ايار 2008. اوحى الانفجار بجهد مماثل لقلب الاوضاع مجدداً، ما حمل الرئيس نبيه بري على الحذر من زعرعة الاستقرار، بعد كلام النائب وليد جنبلاط عن الطابور الخامس.
رابعها، ثمة مَن يشيع عن ايحاء حزب الله بطلب ادخال بند العقوبات الاميركية في سلة التسوية السياسية المؤجلة التي لا تقتصر على انتخاب رئيس، بل تطاول ــــ الى قانون انتخاب جديد ــــ تأليف حكومة جديدة لم يعد من السهولة بمكان تقبّل وجود حزب الله فيها بعد القانون الاميركي.
تبعاً لما يرويه وزير سابق، في المقلب الآخر من الحزب، عما سمعه من مسؤولين فرنسيين وعرب ان من المتعذر توقع تأليف حكومة في ما بعد يكون حزب الله في عدادها على غرار السنوات العشر المنصرمة، بعدما اضحى في مواجهة علنية، اكثر من ذي قبل، مع الاميركيين ودول عربية عدّته تنظيماً بدورها ارهابياً. ناهيك بأن استمرار العقوبات يحول دون دخوله اي حكومة جديدة تصبح بدورها في دائرة الشكوك الاميركية. وهو مغزى ما بات يُنسب الى الحزب التلميح اليه بربط القانون الاميركي بالسلة السياسية الداخلية. مفاد ما يستخلصه الوزير السابق ان لا انتخاب رئيس للجمهورية في مدى منظور، ما دام طرأ على مأزق الاستحقاق عامل جديد اضافي لا يقل عبئاً: في ظل العقوبات لا حزب الله في اي حكومة جديدة، ولا مكان له في اي بيان وزاري ينبثق منها.