لا تخفي الطالبة الصينية يانغ مي شعورها بالندم بسبب انخراطها في الدراسة الجامعية، إذ تعتبر السنوات التي قضتها في الجامعة مضيعة للوقت. فقد تخرجت العام الماضي من معهد غوانغ دونغ للعلوم والتكنولوجيا، إلا أنها لا تزال حتى اليوم تبحث عن وظيفة.
تقول يانغ في حديثها للجزيرة نت “أشعر بالخجل من أمي، فقد باعت مصاغها وكل ما تملك لكي أدخل الجامعة، ومن ثم أتخرج وأعمل في شركة كبيرة، ولكن يبدو هذا مستحيلا في ظل تزايد أعداد الخريجين، وعدم قدرة الحكومة على استيعاب المزيد منهم في مؤسسات الدولة”.
أما ياو لي، الذي تخرج في جامعة جينان قبل عامين، فاعتبر البحث عن وظيفة محترمة براتب معقول كالبحث عن إبرة في كومة قش، وقال إنه يحسد الشبان المهاجرين الذين يعملون بمجال الأعمال الحرة ويحققون دخلا يبلغ ثمانية آلاف يوان (1215 دولارا) شهريا، في حين أنه يحمل شهادة عليا ولا يزال حتى اليوم يتلقى مصروفه من والديه.
أزمة توظيف
شهد سوق العمل الصيني زيادة غير مسبوقة في تدفق أعداد الخريجين الجدد، فوفقا للأرقام التي أوردها موقع “جاو بين” المتخصص في تقديم خدمات التوظيف للصينيين، فإن نحو ثمانية ملايين طالب وطالبة دخلوا إلى الموقع هذا العام لتعبئة استمارات توظيف إلكترونية.
وعلى الرغم من تنظيم الحكومة الصينية مشاريع تشغيل خاصة، فإن مثل هذه المشاريع لم تستوعب سوى 3.1% من الخريجين هذا العام، أي ما يعادل نحو 240 ألف خريج، وهي نسبة ضئيلة جدا مقارنة بالعام الماضي، حيث تم استيعاب 468 ألفا.
وأشار الموقع إلى أن أزمة التوظيف دفعت العديد من الخريجين إلى تفضيل العمل الحر على الوظيفة التي لا يتجاوز متوسط دخلها أربعة آلاف يوان (607 دولارات) شهريا، وأظهر أن 76% منهم على استعداد للبدء بأعمال تجارية خاصة عبر الإنترنت.
وتأتي هذه الزيادة في ظل استمرار تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني، وانخفاض أجور الموظفين، وارتفاع حدة التنافسية في سوق العمل.
خفض سقف التوقعات
ويعترف عميد كلية الاقتصاد بجامعة “جينان” دونغ يي بأن الموسم الدراسي الحالي شهد أكبر نسبة تخرج مقارنة بالمواسم السابقة، لكنه قلل في الوقت ذاته من شأن الحديث عن أزمات اقتصادية واجتماعية قد تضرب المجتمع الصيني في ظل عجز الحكومة عن استيعاب الطلبة الخريجين.
وقال دونغ للجزيرة نت إن الصين حافظت على معدل بطالة منخفض رغم أن عام 2015 شهد أبطأ نمو اقتصادي بالبلاد منذ 25 عاما، وأشار إلى أن الزيادة الكبيرة في أعداد الخريجين لا يجب أن تثير القلق ما لم يتجاوز معدل البطالة في البلاد 4.5%.
في السياق نفسه طالب دونغ بأن يخفض الخريجون سقف توقعاتهم، مشيرا إلى أن كل طالب يرغب في الحصول على وظيفة منذ اليوم الأول له بعد التخرج، إلا أن ذلك لا يمكن أن يتحقق في السنة الأولى على الأقل، التي يحتاج فيها الطلبة إلى خوض دورات تدريبية لتنمية قدراتهم ومهاراتهم، حسب قوله.
مخاوف حكومية
وعلى الرغم من الخطة التي أقرتها الحكومة الصينية هذا العام لتوفير فرص عمل لنحو عشرة ملايين خريج، فإن عددا من المسؤولين الصينيين لا يخفون قلقهم من ارتفاع معدل البطالة وتباطؤ نمو الاقتصاد، في وقت تعجز فيه مؤسسات الدولة عن استيعاب المزيد من الخريجين.
وكان رئيس الوزراء الصيني لي كه تشيانغ قد دعا إلى توسيع قنوات التوظيف، وتقديم المزيد من الدعم للخريجين والعمال المهاجرين للحفاظ على معدل البطالة الراهن الذي يقل عن 4.1%.
وأرجع محللون مخاوف الحكومة من تفشي البطالة في المجتمع الصيني وعودة الكثير من العمال المهاجرين إلى قراهم، وبقاء عدد كبير من الخريجين بلا عمل، إلى الذاكرة الصينية المفخخة بأحداث تمرد وشغب قادها طلاب ساخطون على الدولة، خصوصا وأن الصين تمر هذه الأيام بالذكرى العشرين لأحداث ساحة تيانانمين، التي راح ضحيتها آلاف الطلبة عندما فتح الجيش الصيني النار عليهم عام 1989 أثناء اعتصامهم وسط العاصمة.