كتب عماد مرمل في صحيفة “السفير”:
لم يكن ينقص رئيس الحكومة تمام سلام سوى التفجير الذي استهدف بنك لبنان والمهجر حتى تكتمل اللوحة السوداوية، المعلّقة على جدار الشغور المعمّم، والتي شاء القدر السياسي أن يضعه في قلبها منذ وقت طويل.
وقد أتى هذا العمل الإرهابي ليعيد مرة أخرى تثبيت حقيقة مُرّة، يتعايش معها سلام بصعوبة، وهي انه «ملزم» بالبقاء في موقع المسؤولية حتى إشعار آخر وبالتالي ليس «مخيّراً» بين الاستمرار والمغادرة، أقلّه حتى الآن، برغم كل ما يعانيه من حكومته التي تكاد تريه «نجوم الظهر»، بفعل التناقضات والصراعات الحادة بين مكوناتها.
لا يملك سلام حرية قلب الطاولة على رؤوس المستثمرين في صبره والمنتفعين منه، وهو الذي يدرك ان الشغور الرئاسي والشلل التشريعي لا يسمحان حاليا بقفزة متهورة في المجهول، من شأنها ان تكشف الساحة اللبنانية امام المزيد من المخاطر الجوّالة والتي طرقت أمس الاول ابواب القطاع المصرفي.
كل ما يستطيع سلام فعله، في هذه الظروف الصعبة، هو الصراخ في «البرية الحكومية» والتحذير من مغامرة المغالاة في الرهان على سعة صدره، مبشّرا بـ «التفاهم والتفهم» في عكس اتجاه الريح، ومستعجلا انتخاب رئيس جديد للجمهورية، يعيد الانتظام الى جسم الدولة المختل توازنه.
وعندما تضيق السبل امام رئيس الحكومة، يشد رحاله الى عين التينة، «يفضفض» للرئيس نبيه بري ويشكو له، مستعينا ببعض «أرانبه» او «ثعالبه»، تبعا للحاجة، من أجل تفكيك العقبات التي تعترض عمل مجلس الوزراء وتعطل انتاجيته.
وخلال الزيارة الاخيرة لسلام الى عين التينة، قبل ايام قليلة، راحت عينا بري تحدّقان مليا في عيني ضيفه، توطئة لما سيأتي من كلام، فما كان من رئيس الحكومة ان سبقه، مخاطبا إياه بالقول: لا تقلها دولة الرئيس.. أعرف ما الذي تريد البوح به..
وما التقطه «رادار» سلام، قاله بري لـ «السفير» مشيرا الى انه كان بمقدور رئيس الحكومة ان يتفادى حالة الشلل والتخبط التي يعاني منها مجلس الوزراء، لو انه دفع منذ البداية في اتجاه اعتماد قاعدة التصويت في حسم الامور الخلافية، متى تعذر التوافق عليها، «شاء من شاء وأبى من أبى»، معتبرا ان الآلية الحالية والتي تشترط التوافق او شبه التوافق لاتخاذ القرار هي غير مجدية وغير منتجة، بل إنها وصفة ممتازة للتعطيل. ويضيف بري: أن سلام يحتمل ما لا يُحتمل، وهو رئيس آدمي لحكومة تتجاذبها الصراعات حول المصالح المتضاربة والضيقة.
أما سلام، فيؤكد لـ «السفير» ان الاعتداء الذي تعرّض له بنك لبنان والمهجر يستوجب من جميع القوى السياسية التحلي بأعلى درجات المسؤولية والترفع عن الصغائر والمصالح الفئوية، لتحصين الداخل ومواكبة نشاط الاجهزة العسكرية والامنية، بمناخ سياسي مساعد، لافتا الانتباه الى ان تلك الاجهزة متحفزة والتنسيق بينها ممتاز، من دون ان يلغي ذلك إمكانية حدوث خرق هنا او هناك.. «المهم ان العيون مفتوحة والجهات المعنية تؤدي واجباتها».
وعلى قاعدة ان افضلية المرور يجب ان تكون لكل ما من شأنه ان يعزز المناعة الداخلية، يشير سلام الى ضرورة ان تتحسس مكونات الحكومة بخطورة هذه المرحلة وان تحسن ترتيب الاولويات، بحيث تكف عن تغليب حساباتها الخاصة على المصلحة الوطنية العليا.
ويشدد على ان الوضع في داخل مجلس الوزراء يزداد سوءا، وما يحصل من نكايات وتجاذبات بين مكوناته، لم يعد مقبولا بكل المعايير والمقاييس. ويضيف بمرارة: أنها للأسف الشديد أسوأ حكومة، وهذا ما يدل عليه بوضوح الفساد المتسرب الى بعض الملفات، والصراع على مشاريع هنا وهناك انطلاقا من اعتبارات ضيقة..
ويرى سلام ان استمراره في ترؤس هذه الحكومة بات بمثابة عقاب له، «وأنا مضطر الى دفع هذه الضريبة، حتى أحمي لبنان من العقاب الاكبر والاصعب، لانني أعرف ان التخلي عن المسؤولية في هذا التوقيت سيكون مكلفا على المستوى الوطني».
ولا يلبث ان يستدرك قائلا: لا يعني ذلك ان مخزون الصبر لدي ليس قابلا للنضوب، في لحظة ما، وتحديدا عندما يصبح ضرر هذا الصبر أكبر من فائدته، ولذا أنصح الجميع بألا يخطئوا في الحسابات وألا يبالغوا في الاتكال على أناتي وطول بالي..
ويلفت الانتباه الى ان صورة الحكومة في غاية السوداوية، منبها الى خطورة المزايدات العبثية التي تتحكم بسلوك القوى السياسية المشارِكة في مجلس الوزراء. ويتساءل: هل يجوز ان تغدو ملفات انمائية حيوية كتلك المتعلقة بالنازحين والكهرباء والنفايات وسد جنة، مادة للمزايدة والنكاية والكيدية والفئوية، بدل ان تتم مقاربتها بطريقة علمية وموضوعية استنادا الى أبعادها الوطنية؟
ويعتبر سلام ان مبادرة وزيري حزب «الكتائب» الى الانسحاب من الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء لم تكن مبررة، محذرا من ان الحكومة ستنزلق نحو المزيد من المنحدرات ما لم تسارع أطرافها الى استخدام المكابح قبل فوات الأوان.