كتبت كلير شكر في صحيفة “السفير”:
أطلق جبران باسيل صفارة الاستعداد للاستحقاق النيابي، المفترض حصوله الربيع المقبل اذا لم يأت عليه طاعون التمديد مرة أخرى، واضعاً تياره على سكة التحضير للانتخابات، من خلال إطلاق عملية «الغربلة الرباعية» لتنقيح لائحة المرشحين والطامحين المنتظمين تحت سقف «التيار الوطني الحر»، أو المنتظرين في حديقته الخلفية تحت مسمى «أصدقاء» الحزب.
وفي تعميم مفصّل أصدره رئيس الحزب، حُدد يوم الأحد الموافق 31 تموز المقبل، موعداً لفتح صناديق الاقتراع للحزبيين كي يختاروا مرشحي «التيار» الحزبيين، أي ممن يحملون البطاقات البرتقالية، لتكون المحطة الأولى من مسار طويل يريده جبران باسيل بأبهى حلة ديموقراطية كي لا يتهم بالتفرد والاستئثار وتطويع الحزب لمصالحه الشخصية… ولكن لمعارضيه قراءة أخرى لا تحيّد رئيس الحزب من رشقاتها.
ومع إعلان باسيل للمرة الأولى أنّ الاستحقاق النيابي المنتظر سيمرّ في القريب العاجل بالصناديق البرتقالية، ليعبر المعمودية الأولى من التصنيفات، اعتقد المعنيون أنّ الآلية الناظمة للانتخابات الداخلية ستعتمد النظام الأكثري الكلاسيكي على أساس لوائح تنافسية، وثمة من بدأ عملية الحسابات والجمع والضرب والتشطيب على هذا الأساس.
وإذ بالمفاجأة الأولى تطرق أبوابهم، بعد اكتشافهم أنّ باسيل اختار نظام الـone man one vote، أي النظام النسبي الفردي كما جاء في التعميم، ليحسم هوية الخارجين من «النفق الأول» بسلامة. وبدأت من جديد العملية الحسابية لفهم شروط اللعبة وكيفية خوضها بنجاح، مع العلم أن تفاصيل هذا النظام لا تزال تنتظر صدور تعميم تفصيلي جديد، كما جاء في التعميم الأساس.
حتى الآن، يُفهم من هذا النظام أنّه يحق لكل ناخب عوني حامل للبطاقة الحزبية انتخاب مرشح واحد، حيث يفترض أن تكون الدائرة الانتخابية هي القضاء وفقاً للتعميم بعدما توزعت مراكز الاقتراع على مكاتب الأقضية، فيما حدد العدد الأقصى من المرشحين الناجحين بسقف الـ1.5، بمعنى أنه مثلاً في قضاء المتن يفترض أن يكون السقف الأعلى للترشيحات الفائزة، 6 عن الموارنة، و3 أرثوذكس و2 كاثوليك و2 أرمن أرثوذكس. أي أن ينتقل أول 6 موارنة، وأول 3 أرثوذكس… الى المحطة الثانية من السباق.
على هذا الأساس، سيسعى مرشحو القضاء لجذب البلوكات الانتخابية وإقناع الناخبين بالتصويت لكل منهم، من دون الآخرين. أي لا يمكن للناخب أن يراعي مرشحين اثنين، بالحد الأدنى، ولو كانا من مذهبين مختلفين، لأنّها معركة «أنا ولا أحد».
بالنتيجة، ستحصل عملية «تناتش» لا رحمة فيها بين المرشحين لأنّ كلاً منهم سيحاول تأمين بلوك اقتراعي له يضمن له البقاء في السباق الطويل. وسيصبح رؤساء الهيئات المحلية بمثابة ناخبين كبار ومقصد كل المرشحين ما دام في جيوبهم عدد من الأصوات الممكن تجييرها لمصلحة واحد فقط من الطامحين وفقاً لاعتبارات كل مسؤول.
وهنا يبدو أنّ «الحظ العاطل» للآلية يكمن في توقيتها، لأنّ هذه «الغربلة» تأتي بعد الانتخابات البلدية التي شهدت تمزيقاً للصف العوني وحروباً علنية بين قيادات التيار ونوابه. إذ يكفي مثلاً استعادة شريط التوتر بين النائب نبيل نقولا وهيئة قضاء المتن الشمالي وإمكان انعكاسه على الانتخابات المرتقبة، لفهم ماهية المعركة المنتظرة!
أما المفاجأة الثانية التي حملها التعميم، فهي اشتراطه أن يكون المرشح قد مضى على انتسابه سنتان الى «التيار» عند تاريخ تقديم طلب الترشح. والمعروف أنّ ثمة الكثير من الطامحين النيابيين لم تمض سنتان على حصولهم على البطاقة الحزبية. ومنطقياً، لا يجوز أن يستثنى هؤلاء من الآلية الحزبية، بمعنى معاملتهم على أساس أنهم «أصدقاء»، لأنهم حزبيون ولا يمكن لهم بالتالي الانضمام لاحقاً الى قافلة الترشيحات تحت عنوان حلفاء الحزب.
ومع ذلك، كُثر يشكون في اعتماد هذه الآلية اعتمادا جامدا، لا سيما أنّ هناك لائحة طويلة من الترشيحات النيابية العونية التي تنطبق عليها هذه المواصفات. الياس بوصعب، أمل أبو زيد، يعقوب الصراف وغيرهم، من الأسماء البديهية للمعركة النيابية ولا يستوفي أصحابها شرط السنتين، ولكن العونيين يعتقدون أنّ تقديمها لن يحصل في المرحلة الأولى، وسيصار الى تأجيل دخولها الى الحلبة، الى مراحل لاحقة بحجة قدرة هؤلاء على إثبات حضورهم في استطلاعات الرأي.
إذ وفقاً للتعميم، «سيتمّ بين منتصف شهري تشرين الثاني وكانون الاول، استطلاع رأي بقرار من الرئيس، محصور بمرشحي التيار ضمن الدائرة الانتخابية المعنيين بها من أجل تصنيفهم تراتبياً وبالتالي حذف العدد الذي يتخطى عدد النواب المحددين لكل دائرة انتخابية، ثم يجري استطلاع رأي بقرار من الرئيس بعد إقرار القانون الانتخابي وبعد إعلان المرشحين وقبل إجراء الانتخابات بفترة تسمح بتصنيف مرشحي التيار مقابل المرشحين الآخرين، لكي يتم اختيار المرشحين النهائيين وفق التحالفات الانتخابية».
هكذا، يصف المطلعون على مضمون الآلية بأنّ فيها من مقومات الديموقراطية ما يكفي للثناء عليها، كونها تتيح لمن لديهم الحيثية المناطقية، سواء كانوا مسؤولين تنفيذيين (يفترض تقديم استقالاتهم وفق التعميم قبل الترشح) أو قياديين نجحوا في تعزيز حضورهم بين الناس، في إبراز هذا الموقع وتظهيره رسمياً لينضموا الى «اللائحة الذهبية». ولكن لا يعني أبداً أنّ الترشّح صار محجوزاً، لأنّ هذه الانتخابات ليست سوى محطة أولى تتبعها واحدة ثانية وثالثة قبل أن يُعلن نهائياً عن لائحة الترشيحات الرسمية «وذلك بقرار سياسي من التيار ورئيسه».
يعني عملياً، قد يذهب كل المجهود سدى حين تأتي ساعة الفرز الأخيرة حيث يضع رئيس الحزب، وحده، ومن دون أي تشاور مع أي من الهيئات الحزبية، لوائح الترشيحات النهائية التي بمقدوره أن يرتبها وفق حساباته. ولهذا تبقى العبرة في تنفيذ هذه الآلية «السوبر ديموقراطية» التي لا يمكن الحكم عليها «على الورق»، ويفترض انتظار تطبيقها.