كتبت ملاك عقيل في صحيفة “السفير”:
في عزّ الهريان الحكومي “ريفي ستايل” وصفة ناجعة لكل أمراض الكآبة الوزارية والسياسية و “التمريك” على “العاجزين”…
منذ تقديم وزير العدل استقالته في شباط الماضي، افتقد بعض أهل السرايا وجه الضابط المتقاعد ومداخلاته النارية. ما عدا ذلك، يمكن القول إن أشرف ريفي لم يستقل. الأختام بيده، ومعاملات الوزارة بشاردتها وواردتها تحت سيطرة “الجنرال”. وبين المتحف والأشرفية المسافة قصيرة جدا الى حدّ الذوبان. يستدعي المنتصر في الانتخابات البلدية من يشاء الى مكتبه ويعطي التعليمات “الوزارية” ويأمر ويحاسب، ولن يفوّت فرصة الاتصال بمدعي عام التمييز القاضي سمير حمود والمتابعة معه لسير التحقيقات في انفجار فردان، وقبل ذلك يهاتف “الريّس” ليطّلع منه على مجريات التحقيق في مقتل الشاب حسين الحجيري طالبا محاسبة المسؤولين… ولن ينسى الوزير المستقيل، كما يفترض، أن يضع إكليلا من الزهر على نصب قضاة صيدا الاربعة في ذكرى اغتيالهم.
عادي.. الاستقالة في ظلّ غياب رئيس الجمهورية لا يمكن إلا أن “تنفخ” أكثر في حجم الوزير المتمرّد وتمنحه جرعة مقوّيات في أن يتحوّل الى “وزير بلاس” يتقدّم على الآخرين بجرأته، من دون أن يفقد الامتياز الاكبر أي سلطة التوقيع على القرارات وإبقاء البريد في جيبه.
وكما لم يتسنّ لأليس شبطيني، الوزيرة بالوكالة عن ريفي في غيابه تطبيقا للمرسوم 11217، أن تعرف طريقا الى قصر العدل بعد استقالة زميلها، فلن نجد الوزير نهاد المشنوق مداوماً في وزارة العمل، أو الوزير حسين الحاج حسن مداوماً في وزارة الاقتصاد، ولا حتّى سيكونان معنيّين بتسيير أعمال هاتين الوزارتين من مكاتبهما!
الرئيس تمام سلام الذي لم يقبل استقالة ريفي لن يفعلها مع وزيرَي “الكتائب”. أصلا الجدل القانوني هو نفسه: من يحق له قبول الاستقالة؟ هل الوزراء مجتمعين، نيابة عن رئيس الجمهورية، إضافة الى توقيع رئيس الحكومة؟ أم ان الاستقالة تعتبر إعلانية ونهائية ولا تحتاج الى من يقبلها بل يكفي تطبيق مرسوم تعيين البدلاء المقرّ يوم تشكيل الحكومة؟
أوساط “الكتائب” نفسها لا تعرف الاجوبة على هذه التساؤلات القانونية، لكنها تؤكّد أنه بمجرّد إبلاغ رئيس الحكومة خطّيا بالاستقالة فهذا يعني انها أصبحت نهائية ومن نتائجها الفورية سحب التوقيع أيضا من يد الوزير المستقيل، وعليه الالتزام بالقرار الحزبي وإلا فكيف يكون للاستقالة وقعها المطلوب. كما أن الامر سيكون مرهونا بأداء الوزراء بالوكالة، وما إذا كانوا سيستلمون مهامهم بالوكالة، إضافة الى موقف رئيس الحكومة.
لكن على ما يبدو لن يشذّ الوزيران سجعان القزي والان حكيم عن قاعدة “ريفي ستايل”. تصريف الاعمال من جانب الوزير “موضة”. يوم أمس داوم الوزير الان حكيم في وزارته كأي يوم عادي. أما الوزير القزي فقد قصد مبنى وزارة العمل في المشرفية والتقى المدراء والموظفين وأبلغهم ان “الوزارة مستمرة في تصريف الاعمال”، مشيرا الى ان هذه الزيارة “كانت واجبا عليه”. ثم عاد الى مكتبه (الذي اعتمده منذ تعيينه وزيرا) في العازارية وقام بتسيير أعمال الوزارة “لأن مصالح الناس لها الأولوية، وهناك واجبات يجب عدم التخلّي عنها”. ثم ترأس اجتماع مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للاستخدام ووقّع البريد الاداري وأوراقا ومعاملات. وبين اجتماع وآخر لم تتوقف اتصالات الاستنكار والتضامن من وزراء وسياسيين وسفراء “يتمنّون على القزي عدم ترك الساحة والمغادرة”، كما يقول.
بعكس الوزير حكيم، كان القزي إضافة الى مستشاره سمير خلف وايلي داغر مدير كلية الحقوق السابق في الجامعة اللبنانية من معارضي القرار بوجه 27 عضواً في المكتب السياسي أعطوا موافقتهم على استقالة الحكومة. لذلك، استحق “معاليه” تقديم التعازي اليه، خصوصا أنه من الفريق المتشدّد الذي لا يرى أن استقالة وزراء في الحكومة أو استقالة الحكومة في هذه المرحلة الدقيقة قد تكون الخيار الصائب في وقت يجدر فيه تمتين الساحة الداخلية لا تعريضها للاهتزاز. الأرجح ان الابتسامة التي ارتسمت على وجهه في المؤتمر الصحافي لإعلان الاستقالة لم تكن تعني سوى “ماذا تفعل بنا يا سامي الجميل؟”.
لا يكشف القزي عن مداولات المكتب السياسي التي سبقت الاستقالة وموقفه منها بعدما صدر القرار الحزبي والتزم به، لكن ذلك لا يعني برأيه “التخلّي عن المسؤوليات في تصريف الاعمال الذي هو واجب وطني ودستوري، خصوصا بسبب الملفّات الحسّاسة والهامة التي تعني الوزارة، من اليد العاملة الى البطالة والنزوح وعمل الفلسطينيين وحقوق الانسان وتنفيذ اللامركزية والضمان الاجتماعي ومجانية الدواء…”، لافتا الى ان “تصريف الاعمال متفق عليه مسبقا داخل الحزب، خصوصا ان هناك صعوبة في قبول الاستقالة بغياب رئيس الجمهورية”.
وفيما يشدّد القزي على “جدّية الاستقالة”، يلفت الى عدّة أمور هامة تبرّر البقاء في مدار تصريف الاعمال: “هناك حالة ميثاقية يجب أن تُحترم بغض النظر عن الاستقالة (غياب رئيس الجمهورية)، إضافة الى سابقة أشرف ريفي، كما أن الاستقالة لا تكون نافذة إلا بعد قبولها وهذا أمر غير متيسّر حاليا، والأهمّ أنه حين استقال الوزراء الشيعة عام 2007 هل سمحوا بتعيين بدلاء منهم؟”.
ويؤكّد “أنا الى جانب سامي الجميل، وأقدّر غضبه ووثبته. وأتمنى له النجاح في تحرّكه الجديد”.
من جهته، يقول نائب “الكتائب” ايلي ماروني “قد يكون لقزي مبرّراته ومعطياته التي شرحها والتقى البعض معه في تأييدها، لكن قرار الاستقالة انتصر، والقزي التزم وهذا دليل انضباط، والأهمّ دليل تعدّد الآراء داخل الحزب لكن القرار واحد”.
وفيما يشير ماروني الى ان “اجتماعات المكتب السياسي ستبقى مفتوحة لدراسة الوضع الناتج من الاستقالة واتّخاذ القرار المناسب”، يشير الى ان “الاستقالة نهائية، ويمكن بناءً على ما نسمع من اجتهادات غبّ الطلب أن يصار الى إيجاد حل مشترك للاستقالات الثلاث”.
“الكتائب” إذاً ينتظر موقف رئيس الحكومة من الاستقالتين، والرئيس تمام سلام ينتظر “الفرج” تجنّباً لدخول حكومته نفق الاستقالات المتتالية تمهيدا لسقوطها “خدمة” لهدف الضغط باتجاه انتخاب رئيس للجمهورية بأسرع وقت ممكن.