تقرير شادي الياس
في خضّم هذا الشرق المتفجّر، هناك شبه دولة مستقلة قي العراق اسمها كردستان، أثبتت خلال عقود انها تسطيع ان تكون دولة، وأفضل من باقي الدول. فقد حافظت على عامل الاستقرار فيها، واستضافت الملايين من اللاجئين، وخاضت معارك عدة ألحقت فيها الهزيمة بتنظيم “الدولة الاسلامية”، وأجبرت التنظيم على الانسحاب من المناطق التي يقطنها الاكراد في سوريا.
يُعتبر الاكراد من أشد المعارضين لاتفاقية “سايكس بيكو” والدليل هو ما حدث الشهر الفائت من نعي لذكرى السنوية المئوية لهذه الاتّفاقية، التي وقعت في 16 أيار عام 1916، ووضعت الأسس لقيام الدول القومية التي نراها اليوم في منطقة الشرق الأوسط. ويمكن القول إن الاكراد هم الاكثر معارضة لهذا التقسيم، فهم يعتبرون صياغة الدول العظمى له، السبب الأول في تعليق حلم قيام دولة كردية مستقلة. وقالوا لو قامت دولة كردستان التي تشكلت ملامحها في أوائل القرن العشرين، لأنقذت الملايين من الأرواح، ولساعد ذلك على التخفيف من مخاطر العنف المتفاقم الذي نراه اليوم في الدول القومية التي شُكلت بناءً على اتفاقية “سايكس بيكو”.(1)
يظهر التاريخ أن كثيراً من العوامل وقفت حائلاً دون نمو الدولة الكردية المستقلة، أهمها: غياب الخطاب الكردي المتماسك، وتشرذم القيادة الكردية، والخصومات الشخصية بينها. ومن ثم، مخطئ من يرى أن الممانعة من قبل باريس، أو لندن، هي السبب الأول في عدم استيعاب مطالب الأكراد بقيام دولة في المناطق ذات الأغلبية الكردية.
فبعد مرور مئة عام، يتضح أن من بين الأسباب التي حالت دون تشكيل دولة كردية مستقلة هي الأسباب الداخلية الخاصة بالأكراد أنفسهم. وهذا لا يعفي ـ بطبيعة الحال ـ إنكلترا وفرنسا من المسؤولية التاريخية، إذ ارتكب كل منهما خلال عملية إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط أخطاءً مصيرية في حق الشعب الكردي. ومهما يكن من أمر، يتحتم على القيادات الكردية اليوم أن تتحمل المسؤولية أيضاً، لتتوقف عن استخدام الدول الأجنبية ككبش فداء لفشلها في تحقيق السيادة الكردستانية، سواء عند التفسير التاريخي أو في الوقت الحاضر.
وعلى النقيض من التفكير التقليدي الذي يرى أن الأكراد لم يكونوا على دراية كاملة بمجريات العلاقات الدولية، هناك في الواقع، العديد من القادة الذين يدركون المخاطر التي يتعرض لها الشعب الكردي، ومن ثم، يعملون على إقناع القوى العظمى مثل بريطانيا وفرنسا بتحقيق مطلب هذا الشعب في وطن مستقل. غير أن انعدام التوافق بين القيادات الكردية، ساهم في تعزيز تشرذم تلك القيادات، ومنعها من الاصطفاف تحت راية واحدة.
من تلك القيادات التاريخية، القائد شريف باشا الذي عمل مبعوثاً للأكراد في مؤتمر باريس للسلام عام 1919، حيث تفاوض مع مبعوثي فرنسا وإنكلترا. كما وقع اتفاقاً مع الأرمن بشأن المناطق التي يتنازع بشأنها الأكراد والأرمن معاً. غير أن اتفاقه هذا، لم يلقَ قبولاً من الزعماء في كردستان، حيث سارعوا إلى رفض الاعتراف بشريف باشا ممثلاً للأكراد، كما أن وجهاء بابان الأكراد في إسطنبول تبرأوا أيضاً من ذلك الاتفاق.(2)
لقد كان لرفض تلك القيادات الكردية في إسطنبول وأماكن أخرى تأثير شديد على شريف باشا، أدى إلى إصابته بالإحباط، ومن ثم، إلى الاستقالة، إلا أنه في نهاية المطاف تبنى فكرة وجود منطقة حكم ذاتي للأكراد في إطار الإمبراطورية العثمانية، وهو موقف اتخذته قيادات كردية أخرى.
اذا كانت الديمقراطية تتطلب وجود نظام تعدد الأحزاب، فإن واقع الحال يحتم ضرورة توحيد الأحزاب لتشكيل حكومة فعالة تتجاوز الماضي، ولتكوين برلمان فعال يعمل كرقيب حقيقي على أداء هذه الحكومة، ويخضع جميع المسؤولين للمساءلة. وللأسف، يبدو أن تحقيق ذلك، بعيد المنال عن كردستان العراق، حيث لا حرج من وجود “مناطق نفوذ سياسية” في أماكن متعددة من كردستان؛ ومن خلال إلقاء نظرة بسيطة على الواقع الحالي للمنطقة، تتبدى لنا الصورة الكارثية التي تظهر التشتت والتشرذم، فها هي كردستان العراق لا تزال منقسمة بين “الحزب الديمقراطي الكردستاني” بزعامة “مسعود بارزاني” الذي يسيطر على محافظات “دهوك” و”أربيل”، في حين نرى حركة “كوران” بقيادة نوشيروان مصطفى، وكذلك الاتحاد الوطني الكردستاني، وهما يبسطان سيطرتهما على السليمانية وكركوك.
وقد أبدى أعضاء الحزب الديمقراطي الكردستاني تحمساً لإجراء استفتاء محتمل وغير ملزم بشأن مستقبل كردستان العراق، بينما أبدى الحزبان الآخران تحفظهما تجاه فكرة الاستفتاء، حيث لم يعلنا تأييدهما الصريح لتلك الفكرة. وقد غلب على موقف الاتحاد الوطني الكردستاني نوع من الارتياب العميق الناتج عن اعتقادهما بأن ذلك الاستفتاء ما هو إلا مناورة سياسية من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني لضمان سيطرته على الحكومة وصرف نظر الناس عن مسألة الخلافة الرئاسية. (3)
المصالحة والحوار وتحديد الاستراتيجيات والابتعاد عن المصالح الذاتية والفئوية هي السبيل الأنجع لخدمة القضية الكردية، ضمن قيادة كردية موحدة، ناهيك عن كودرة قوات البيشمركة في إطار مؤسساتي، في ظل عملية ترسيم الحدود والتغيير في الجغرافيا السياسية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، بحيث يشكل هذا الأمر فرصة للأكراد لبناء دولتهم الفعلية.
(1) http://www.almuraqeb-aliraqi.org/?p=50976
(3) https://www.rojavanews.com/arabic/index.php/ku/item/12511-rojavanews