Site icon IMLebanon

المدن الصناعية أولوية اقتصادية… «تبنا» نموذجاً

alutex
قدّم البنك الدولي رؤية جديدة للاقتصاد تقوم على زيادة حصّة الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي من أجل تحفيز خلق فرص العمل والتخفيف من المخاطر الناجمة عن الاعتماد الكبير على القطاع العقاري وعلى السياحة. وتحقيق هذا الأمر يبدأ بالاستثمار في المدن الصناعية ذات البنية التحتية الملائمة مثل المدن الناشئة في تربل وتبنا وجزين

على مدى العقود الماضية كانت قطاعات العقار والسياحة تعدّ المحرّك الأساسي للاقتصاد اللبناني. مشكلة هذا النوع من المحركات أنه يجعل الاقتصاد مشكوفاً أكثر على المخاطر الخارجية، ما يجعله اقتصاداً هشاً وضعيفاً تجاه الصدمات السياسية والأمنية.

اليوم بدأت المؤشرات المالية والاقتصادية تكشف عن المزيد من الضعف والهشاشة، وهو ما يستدعي إصلاحاً بنيوياً في النموذج الاقتصادي اللبناني “المفلس” بصيغته الحالية. لذا، وضع البنك الدولي استراتيجية إصلاحية تأخذ في الاعتبار هذه العوامل من أجل تعزيز مناعة الاقتصاد ضد الصدمات من خلال زيادة حصة الصناعة في الاقتصاد.
“الصناعة هي الأكثر مقاومة للأزمات، وتعزيزها يساعد على تنويع الاقتصاد ويتيح للبنان استيعاب الصدمات التي يتعرض لها بوتيرة متواصلة بطريقة أفضل”. وفي رأي البنك الدولي، إن تنفيذ هذه الاستراتيجية يتطلب بيئة حاضنة يؤمنها الاستثمار في المناطق الصناعية التي تعد “الأداة الأساسية لتنفيذ استراتيجية تشجع المصانع التي تضمن إنتاجية أعلى في الاقتصاد الوطني”.

وظائف قليلة ومخاطر مرتفعة

لا شكّ لدى أحد بأهمية الصناعة في الاقتصاد نظراً الى أثرها الإيجابي الناجم عن التصدير الذي يخفف من عجز ميزان المدفوعات بالإضافة إلى استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة والتخفيف من الاعتماد على التدفقات الرأسمالية القصيرة الأمد، أي التدفقات الناجمة عن الاستثمارات العقارية، إذ أن الاستثمارات الصناعية طويلة الأمد وهي تخفض نسبة المخاطر الاقتصادية.

فالصناعة في لبنان مهمّشة إلى درجة أن أداء القطاع لا يزال أقل بكثير من معدلات المنطقة فيما “تعدّ تركيبة الاقتصاد اللبناني باعتمادها على العقارات والسياحة، غير ملائمة لخلق الوظائف، حتى في ظل فترات النمو. القطاع العقاري استحوذ على ١٧٪ من الناتج المحلي الإجمالي بين ٢٠٠٤ و٢٠١١، إلا أن مساهمته في التوظيف لا تزيد على ٧.٨٪ من القوى العاملة في لبنان. كما أن القطاع العقاري يستحوذ على ما بين ٥٠٪ و٧٠٪ من رؤوس الأموال الثابتة منذ ١٩٩٧، وهو مسؤول عن ٣٣٪ من تدفقات الاستثمارات الاجنبية المباشرة إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلا أن مساهمته في خلق الوظائف لا تتجاوز ٥٪ بين ٢٠٠٣ و٢٠١١”.
في الواقع، كان لدى لبنان منذ عقود برامج لإنشاء مناطق صناعية. ففي عام ١٩٩٥ أنشأت إيدال منطقة صناعية، وفي عام ٢٠٠٥ حصلت وزارة الصناعة على إجازة من مجلس النواب لتأسيس مناطق صناعية عامة. وبحسب معطيات وزارة الصناعة، هناك ١٣١ منطقة صناعية مرخص لها حكومياً، ونصفها في بيروت وجبل لبنان، فيما يقع ربعها في شمال لبنان، والباقي يتواجد في البقاع وفي جنوب لبنان والنبطية. وتستفيد المناطق الصناعية من إعفاءات عديدة منها اليد العاملة وضرائب الدخل، إلا أن وجود بنية تحتية متطورة في هذه المناطق أصبح حاجة ملحة، وخصوصاً أن معظم المناطق الصناعية القائمة حالياً تعاني من نقص في البنية التحتية اللازمة للقطاع الصناعي، وخصوصاً الكهرباء التي تمثّل نسبة كبيرة من كلفة الإنتاج الصناعي.
وبحسب البنك الدولي، فإن العديد من المناطق الصناعية نشأت خارج المناطق التي تقوم بها الحكومة، بالإضافة إلى المشروع الذي تنفذه وزارة الصناعة حالياً بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية. وقد أفرز هذين المسارين أربعة مناطق جديدة تأسست حديثاً:
ــ شقاديف بالقرب من جزين.
ــ تبنا بالقرب من صور وصيدا والنبطية.
ــ دمول بالقرب من أنصار.
ــ تربل في البقاع.

تبنا وتربل نموذجاً

هذه المناطق هي قيد الإنشاء، وهي تعدّ نماذج عن الرؤية التي يقدمها البنك الدولي لتحفيز الصناعة في لبنان وزيادة مساهمتها في الاقتصاد الوطني. فعلى سبيل المثال، إن مشروع المنطقة الصناعة في تربل وقوسايا يمتد على ١.٤ مليون متر مربع علماً بأن الأرض تقدمة اتحاد بلديات شرق زحلة، ويتوقع أن يكون تأجير المتر المربع زهيداً ولا يتجاوز دولاراً واحداً للمتر المربع سنوياً. المشروع كما يخطّط له أن تتضمن البنية التحتية لهذه المنطقة، مصنع كهرباء خاص فيها، وبنية تحتية تكنولوجية حديثة، فضلاً عن محطات تكرير المياه والطرقات وسواها.

أما المعايير التي أنشئت على أساسها منطقة تبنا الصناعية فهي من ضمن أهم المناطق الصناعية في الجنوب إذ أن موقعها يتوسط صيدا وصور والنبطية بالقرب من الأوتوستراد الدولي. تبعد هذه المدينة نحو ٤٥ دقيقة عن بيروت و١٥ دقيقة عن مرفأ صيدا و٢٠ دقيقة عن النبطية ونحو ٢٥ دقيقة عن صور. تمتدّ هذه المدينة على مساحة ١.١٤٧ مليون متر مربع وفيها ثلاثة مستويات من المناطق الصناعية. الأولى صناعية من الدرجة الأولى باستثمار يبلغ ٠.٧٥٪ بالإضافة إلى تراجعات جانبية وخلفية على ٤.٥ متر وبارتفاع أقصى ١٢ متراً. والمنطقة الثانية مخصصة للصناعات من الدرجة الثالثة باستثمار عام يبلغ ٠.٥٪ وتراجعات جانبية وخلفية ٤.٥ متر وبارتفاع أقصى ١٢ متراً. المنطقة الثالثة هي صناعية من الدرجة الثالثة وتجارية أيضاً، باستثمار عام ٠.٥٪ وتراجعات جانبية وخلفية ٤.٥ أتار وبارتفاع أقصى ١٢ متراً.
مساحات العقارات في هذه المنطقة تتراوح بين ألفي متر مربع و٧ آلاف متر مربع، وهي تستفيد من خفض على ضريبة الدخل بنسبة ٥٠٪ لمدة ٥ سنوات، نظراً الى كون المشروع مصنفاً وفق المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات في المنطقة (ب). كذلك يمكن الصناعيين الحصول على إجازات عمل من كافة الفئات وإعفاء من الضريبة على الدخل الناتجة عن المشروع لمدة سنتين إضافيتين إذا أدرجت الشركة ما لا يقل عن ٤٠٪ من أسهمها في بورصة بيروت.
وتتضمن هذه المدينة الصناعية مناطق خضراء موفرة بيئة عمل صحية، فيما بنيتها التحتية تشمل الكهرباء والهاتف ونظام تأمين المياه وتصريف الأمطار والصرف الصحي ومحطة تكرير ومعالجة النفايات الصلبة. أما ميزة هذه المنطقة هي الأسعار المدروسة والتسهيلات المناسبة وتوافر اليد العاملة.

حوافز مصرف لبنان

قالت مصادر مطلعة، إن مصرف لبنان يعمل على إصدار تعميم يمنح المدن الصناعية قروضاً مدعومة الفوائد وحوافز. تأخر التعميم سببه أن مصرف لبنان يريد أن يكون متأكداً من ألا تتحول المشاريع التي ستنشأ في المدن الصناعية إلى مشاريع عقارية، وأنه يريد من هذه المدن أن تستوفي مواصفات معينة بيئية واستثمارية. وتلفت المصادر إلى أن هذه التجربة ليست الأولى لمصرف لبنان مع المدن الصناعية، إذ حصلت بعض المدن في السابق على قروض مدعومة الفوائد في الشويفات على سبيل المثال، لكن يجب أن يكون هناك حرص على تحقيق الأهداف من هذه المدن وأبرزها انتقال المصانع من المدن إلى مناطق متخصصة واستفادة الجهة المعنية من دون أن يخضع لأي ضغوطات.