تنظر مصادر سياسية مراقبة باستغراب شديد الى الوضع اللبناني الداخلي الذي يشبه السباحة في الفراغ في ضوء انكفاء المبادرات الخارجية وعجز اهل الداخل عن إنتاج تسويات خارج نطاق الحسابات الإقليمية الممسكة بالورقة اللبنانية بإحكام. وتتساءل عبر “المركزية” عن الرابط بين الامن والسياسة، وما اذا كان ايقاعهما مترابطا ام لكل حساباته التي تكلف الاخر فاتورة باهظة. وتذكّر في هذا المجال بمرحلة الانتخابات البلدية التي لم تشهد “ضربة كف” بفعل سهر الاجهزة الامنية على سلامتها في حين تم وضع الامن في عين العاصفة مباشرة بعد انتهاء اخر الجولات البلدية، اذ ضُخت كمية هائلة من المعلومات، دفعة واحدة، بعضها يلامس الواقع والبعض الآخر مفبرك بهدف البلبلة، تتناول الخطر الامني الكبيرعلى الوضع الداخلي وتحذيرات من مغبة وقوع انفجارات تستهدف مراكز تجارية ومقاهي وملاهي ليلية مع بدء موسم الصيف.
وتقول المصادر ان خطر التنظيمات الارهابية يتربص بالبلاد منذ سنوات مع بدء الحرب السورية ودفق لاجئيها الى لبنان بطريقة عشوائية حولت هؤلاء الى قنبلة موقوتة مربوطة ساعتها بساعة الازمة السورية وتطوراتها الميدانية، الى جانب الخلايا الارهابية التي تفكك الاجهزة الامنية، وخصوصا الجيش، السواد الاعظم منها الا ان خطرها يبقى قائما ما دامت تحظى ببيئة حاضنة في بعض الامكنة وتحديدا في المخيمات الفلسطينية التي تحولت بعض ازقتها الى حصون للداعشيين وانصارهم، حيث يديرون شبكات عبر وسائل التكنولوجيا المتطورة. بيد ان كل ذلك لا يلغي السؤال عن اسباب قفز الملف الامني الى الواجهة فجأة وطرحه في الاعلام بشكل مكثف ومركّز.
واذا كان السؤال لا يجد جوابا لدى اهل السياسة، فان اوساطا امنية معنية تشرح عبر “المركزية” حقيقة الوضع بالانطلاق من كلام وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق الذي اوضح ان المعلومات التي استند اليها بعض السفارات تعود الى اكثر من شهرين وليست وليدة الساعة كما ظهر في اليومين الماضيين مع تسريبها عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وتقول بمعزل عن كل الاخفاقات السياسية التي تدفع الاجهزة العسكرية والامنية ثمنها، فان الخطر موجود ما دامت الازمة السورية تتفاعل ومشاريع التسوية بين مد وجزر لا ترسو على بر. واذ تطمئن الى ان لا خوف من عمليات عسكرية عبر الحدود لان الاجراءات التي يتخذها الجيش اللبناني والاجهزة المتطورة التي حصل عليها عبر المساعدات الخارجية، كفيلة باحباط اي مخطط ارهابي، تكشف ان الدول الكبرى الساهرة على الاستقرار الامني توفد تباعا وفودا امنية واستخباراتية الى بيروت في اطار تنسيق الجهود في مجال مكافحة الارهاب وكشف مخططاته، علما ان لبعض هذه الدول جنودا في سوريا بما يوجب مراقبة الوضع ميدانيا حفاظا على سلامتهم. وتفيد الاوساط ان “داعش” ولد من رحم ” القاعدة” وتمرد عليها، وليس انتاجا اميركيا كما يحلو للبعض ان يحلل، فالولايات المتحدة باتت تشبه في القاموس اللبناني حكاية “راجح” الذي تُلصق به كل التهم.
ولا تخفي الاوساط ان مكامن الخطر موجودة ونسبتها عالية لكنها تؤكد ان تفجير فردان الذي استهدف “بنك لبنان والمهجر” جاء من خارج هذا السياق في شكله ومضمونه، مشيرة الى ان المطلوب بإلحاح وتجنباً لأي سيناريو دراماتيكي، قرار وطني على مستوى القيادات السياسية منسق اقليميا خارج سياق المصالح الطائفية يعيد تنظيم وضع النازحين السوريين بجمعهم في مخيمات في المناطق الحدودية ورفع “الحظر” عن مخيم عين الحلوة، لان خلاف ذلك قد يضع لبنان على فوهة بركان قد ينفجر في اي لحظة، فالمعطيات الميدانية السياسية والامنية تصب كلها في خانة واحدة: الازمة السورية طويلة وربما اكثر بكثير مما يعتقد بعض الغلاة في التفاؤل الذين يراهنون على أشهر.