محسن المزليني
يقبل السائحون الروس على استكشاف وجهات جديدة بعد أن ضاقت خياراتهم بسبب الوضع الأمني في مصر والأزمة مع تركيا، وتعمل تونس على اغتنام هذه الفرصة بعد أن هجرها السائحون الأوروبيون التقليديون في أعقاب سلسلة هجمات مسلحة.
ويتوقع مسؤولون عن القطاع السياحي في تونس أن تستقطب بلادهم زهاء نصف مليون سائح روسي خلال العام الجاري، آملين أن يساهم ذلك في إنعاش هذا القطاع الذي تراجع بشكل حاد خلال السنة المنقضية، خاصة بعد الهجمات التي استهدفت متحف باردو وأحد الفنادق السياحية في مدينة سوسة.
وفي هذا السياق، قال رئيس الجامعة الجهوية لوكالات الأسفار في الجنوب الشرقي التونسي حمدة عبد اللاوي، إن جزيرة جربة استقبلت خلال الأيام القليلة الماضية 34 رحلة تحمل على متنها زهاء سبعة آلاف سائح روسي جاؤوا لقضاء عطلهم في الجزيرة.
تحذيرات وردود
ورجح عبد اللاوي -في حديث للجزيرة نت- أن يتصاعد تدفق السياح الروس على المنطقة رغم تحذيرات أطلقتها الوكالة الفدرالية للسياحة في روسيا، من إمكانية تعرض رعاياها إلى هجمات مسلحة في تونس.
وقد ردت وزارة السياحة التونسية على هذه التحذيرات بالتأكيد على أن السلطات الأمنية اتخذت الإجراءات الضرورية ورفعت درجة التأهب، كما أشارت في بيان إلى أن هذه التهديدات لم تعد تستهدف تونس فحسب بل اتخذت بعدا إقليميا ودوليا.
وقد مثّل نجاح السلطات الأمنية في تأمين زيارة اليهود إلى كنيس الغريبة بجزيرة جربة، أحد العناصر الأساسية التي اعتمدتها وزارة السياحة في حملة الترويج للوجهة التونسية، من أجل إعادة تسويق صورة تونس بكونها البلد المضياف والآمن، وهي الصورة التي هزتها الهجمات التي عاشت البلاد على وقعها خلال السنوات الثلاث الماضية.
التسويق التونسي
وفي الرابع من يونيو/حزيران الجاري، وصل إلى تونس ثمانون وكيل أسفار روسي، حيث اطلعوا ميدانيا على خصوصيات جزيرة جربة وبنيتها التحتية والسياحية. وتتطلع السلطات التونسية إلى أن تساهم هذه اللقاءات -سواء مع وكلاء الأسفار أو مع الصحفيين الروس المختصين في الشأن السياحي- في ترسيخ صورة تونس الآمنة.
ويشدد عبد اللاوي على الأهمية التي تمثلها السوق الروسية، خاصة في ظل ما يُتوقع من تواصل عزوف السياح الفرنسيين والألمان والبريطانيين عن الوجهة التونسية لأسباب اقتصادية وأمنية، وأن البريطانيين كانوا الأكثر تضررا خلال الهجوم المسلح الذي استهدف فندقا في مدينة سوسة.
ولئن عبر المسؤولون السياحيون عن تفاؤلهم بالمردود الإيجابي المنتظر من الروس على هذا القطاع الذي يصارع منذ أزيد من سنتين للبقاء، فإن حرفيي الصناعات التقليدية وتجارها في جزيرة جربة كانوا أكثر تحفظا وأقل تفاؤلا.
صورة السائح الروسي
وفي هذا السياق يشير التاجر الحرفي عبد الكريم المهذبي إلى أن السياح الروس أدخلوا حركية على المساحات التجارية الكبرى دون أن يستفيد منهم حرفيو الصناعات التقليدية، مؤكدا أن السياح “الجدد” لا يعبؤون على ما يبدو بمنتوجات الصناعات التقليدية مثلما كان الشأن مع سياح الأسواق التقليدية.
وغير بعيد عن هذه الشواغل، يشدد رياض بن عيسى -وهو مدير أحد الفنادق السياحية- على خصوصية السائح الروسي سواء من حيث خياراته أو متطلباته. ويرفض بن عيسى صورة “البخيل” التي قد تُلصق بالسائح الروسي من خلال شكاوى تجار الصناعات التقليدية، مؤكدا أن لهذا السائح رغبات أخرى على كل الفاعلين في القطاع السياحي اكتشافها حتى يتحقق المردود المنتظر.
وأضاف بن عيسى أنه على عكس هذه الصورة يقبل السياح الروس على شراء مختلف أنواع الزيوت وعلى اقتناء المواد المصنوعة من الجلد الحقيقي، داعيا الهياكل المختصة إلى إجراء دورات مكثفة في اللغة الروسية لعدد كاف من العاملين في القطاع السياحي حتى يمكنهم فهم متطلبات السوق الروسية الجديدة.
والسياحة من أهم موارد العملات الأجنبية للاقتصاد التونسي، وهي ثاني أكبر مشغل لليد العاملة بعد القطاع الزراعي. وقد أظهرت إحصاءات رسمية تراجع مداخيل القطاع السياحي خلال عام 2015 لتستقر في حدود 2.35 مليار دينار (1.15 مليار دولار)، مسجلة بذلك نسبة تراجع فاقت 35% مقارنة بسنة 2014، وهو ما ساهم -فضلا عن تراجع الصادرات- في تقلص ملحوظ للاحتياطي من العملات الأجنبية في تونس، ودفع بالحكومة إلى الاقتراض مجددا.