IMLebanon

“جرح” بريح ينتظر السلفات ونتائج التحرّكات

jumblatt walid bechara rahi

 

 

كتبت جنى جبور في صحيفة “الجمهورية”:

أُسدلت الستارة على الحرب اللبنانية في 1990 على واقع مرير، خصوصاً في قرى الجبل المهجّرة، حيث كانت عودة المسيحيين بطيئة جدّاً نسبةً الى القرى المهجرّة الأخرى.الواقع في الجبل يحمل ترسّباتٍ تعود لنحوِ قرنين من الزمن، إلّا أنّ المصالحة المسيحية- الدرزية حصلت في آب 2001 عندما زار البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير المختارة، وعُقدت المصالحة التاريخية.

تحمل بلدة بريح الشوفيّة صورة سوداء في ذاكرة أبنائها، حيث واجه الدروز جيرانهم المسيحيين خلال الحرب، لكنّ المصالحة تمّت وعادت اللحمة بين أبنائها، الذين يحاولون تناسي مرارة حرب استمرت 15 سنة شرّدت كثيرين ودمّرت كلّ شيء.

بعد التحام جروحات الهجرة الاضطراريّة لمدّة 14 سنة، عاد جزءٌ كبير من المسيحيين إلى منطقتي الشوف وعاليه، من خلال مصالحات متتالية تمّت في المناطق الحساسة، ومن خلال صندوق وزارة المهجرين الّذي دفع تعويضاتٍ لإعادة إعمار منازلهم.

وفي سياق استكمال العودة، زار رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، مبنى وزارة المهجرين أمس الأول، حيث إلتقى الوزيرة أليس شبطيني في حضور المدير العام أحمد محمود. وعرض المجتمعون شؤوناً تتعلق بإستكمال ملف عودة المهجرين والمراحل التي قطعها على طريق إقفاله بالكامل خصوصاً أنّ التأخير ناتج عن عدم توافر الأموال اللازمة لإنجاز المتبقي منه والسبل الآيلة لتأمين هذه الإمكانات وضرورة المساعدة من جميع المعنيين على رغم الظروف الصعبة التي تمرّ بها خزينة الدولة.

وفي هذا السياق، يؤكّد مدير عام وزارة المهجرين احمد محمود لـ«الجمهورية» أنّه «يجرى العمل من اجل الحصول على سلفة لاستكمال ملف بريح».

وكانت الوزارة والصندوق قد أجريا الاتصالات اللازمة من اجل إتمام المصالحة بين المقيمين والعائدين والتي تمت في 17 أيار 2014 بحضور رئيس الجمهورية والبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، وجنبلاط بعد أن كانت قد حلت العقدة الاساس بإزالة بيت الضيعة القديم وبناء آخر جديد، ومنذ ذلك التاريخ أقدمت وزارة المهجرين والصندوق على إخلاء المنازل وتسليمها الى اصحابها ورفع أنقاض المنازل المهدّمة، وفتح الطرقات بين المنازل، والمباشرة ببناء كنيستي مار جرجس ومار الياس واللتين سينتهي إعمارهما في 15 من الشهر المقبل، وقد تجاوزت كلفة إعمارهما المليون ونصف المليون دولار بحسب وزارة المهجرين. كما دُفعت التعويضات لأهالي الشهداء، ولترميم المنازل المتضرّرة .

ويلفت محمود الى أنّ «الدفعة الاولى من تعويضات إعادة الإعمار بقيمة 15 مليون ليرة لبنانية للبيت الواحد دُفعت للمهجرين، وانتهى دفع 85 في المئة من هذه القيمة».

250 منزلاً جديداً بُنيت في بريح، ولكن لم يباشر جميع الذين دُفعت مستحقاتهم من التعويضات في البناء، فبعضهم ينتظر استكمالَ الدفعات المقبلة.

ويشير محمود الى أنه «يتمّ العمل حالياً مع شبطيني ورئيس الصندوق العميد نقولا الهبر بالتنسيق مع وزير المال علي حسن خليل، للحصول على دفعة من خارج الموازنة لاستكمال الدفعة الثانية من التعويضات والبالغة أيضاً 15 مليون ليرة».

وفي ما يخصّ البنى التحتية في بريح وتحسين وضع طرقاتها التي يعتبر البعض أنّ وضعها لا يشجع على العودة، يعتبر محمود «أنه لا يمكن تنفيذه من حساب صندوق المهجرين، ولكن تمّ إرسال كتب لكلّ الوزارات للمساعدة في هذا الموضوع، مع الاشارة الى أنه في مرحلة سابقة أنجز الصندوق شبكات المياه في المنطقة».

قد لا يكفي مبلغ 30 مليوناً في عصرنا هذا لبناء منزل، لذلك يؤكد محمود أنّ «كلّ بيت حصل على 3 حصص بدل الحصة أي ما يقارب الـ 90 مليوناً بدلَ الـ30 مليوناً، وكنّا قد أخلينا البيوت وسلّمناها لأصحابها، ودفعنا التعويضات لترميم البيوت، وسلّمنا قسماً من المال للإعمار وسنستكمل تسليمَ الفروع، وبعدها يصبح العمل روتينيّاً».

آلاف المسيحيين هُجّروا من الشوف، ليبدأوا بالعودة اليها بعد 14 عاماً، متفقّدين ما تبقى من منازلهم القديمة ولنفض غبار فظاعة الحرب والمشاهد الدموية عنها.

شاركت بريح للمرة الاولى منذ الحرب الأهلية، في انتخاب مجلسها البلدي وحققت نسبة مشاركة مرتفعة، وفي هذا الصدد أكدت مصادر اشتراكية لـ«الجمهورية» انّه «لا بدّ من التواصل وعقد اللقاءات لاستكمال ملف المصالحة التاريخية حيث يعتبر جنبلاط أنّ استكماله شكلٌ من أشكال تثبيت وتكريس المصالحة التاريخية التي حصلت مع البطريرك صفير، وخصوصاً أنّ حماية التنوّع والتعددية وتأمين العيش المشترك في الجبل، من العناويين التي يصرّعليها جنبلاط».

أمّا بالنسبة للانتخابات البلدية الأخيرة فقد بذل جنبلاط جهداً لحماية توجّهات الأهالي، خصوصاً في القرى المختلطة، حيث يشير المصدر الى انّ «نتائج الانتخابات بشكل عام، أكدت سقوط العوائق النفسية والسياسية والالتزام الشعبي الكبير لكلّ مكوّنات الجبل لتأكيد التعددية والتنوّع في القرى. وهذا الإنجاز يدلّ أنّ المصالحة امتدت الى جذورها الشعبية بأكملها».

اليوم نعيش على رغم الأحداث المحيطة بلبنان زمن المصالحات بين الدروز والمسيحيين وعودة اللحمة تدريجاً على رغم بعض الاختلافات التقنية، وهذا الوفاق ناتج عن اقتناع الجميع أنّ الحرب دمّرت البشر والحجر ولا عودة اليها، وتُعتبر الامور المادية المتردّية السبب الاساس لعدم استكمال العودة في بريح، ولكن نسبةً لأهمية هذا الملف على الصعيد الوطني، يجب معالجة وحلحلة الأمور العالقة لإكمال فرحة العائدين.