موسى مهدي
هل لدى الاتحاد الأوروبي خطة للتعامل مع احتمالات خروج بريطانيا من عضوية الكتلة الأوروبية؟ وهل هنالك خارطة طريق لتلافي تداعيات مثل هذا الخروج، الذي ربما إذا حدث، سيقود إلى “هزات غير محسوبة قد تتحول إلى تسونامي في أسواق المال العالمية”؟
حتى الآن يقول مسؤولو المفوضية الأوروبية في بروكسل، “ليست لدينا خارطة طريق أو خطة جاهزة للتعامل مع نتيجة الاستفتاء البريطاني، ولكن يبدو أن هذا غير صحيح”.
وكما علمتنا التجارب خلال السنوات الماضية وأثناء التعامل مع أزمة اليونان التي كادت أن تعلن خروجها من منطقة اليورو في الصيف الماضي، فإن أوروبا لديها خطة للتعامل مع احتمالات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ولكنها غير معلنة.
وهذه الخطة شبيهة بالخطة التي وضعت للتعامل مع خروج اليونان، مع الفارق بين الدولتين وحجم التأثير، حيث إن بريطانيا إذا اختارت الخروج، فليس ذلك لأسباب تتعلق بالظروف المادية الضاغطة مثلما هو الحال بالنسبة لليونان.
وكان رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي، قد نفى في إجابته على سؤال صحافي حول ما إذا كان للمفوضية “خطة بديلة أو خطة ب” للتعامل مع خروج اليونان، وقال إنه لا توجد لدينا “خطة ب”.
واتضح لاحقاً أن لدى المفوضية الأوروبية خطة جاهزة للتعامل مع خروج اليونان من منطقة اليورو، ولكن هذه الخطة بدلاً من تسميتها “الخطة ب” كما هو متعارف عليه، أطلق عليها اسم “الخطة زي”.
وبالتالي فالمسؤولون الأوروبيون يستخدمون لعبة الحروف لـ”الكذب الدبلوماسي”.
ولكن مصادر بريطانية تقول إن لدى المفوضية خطة بديلة.
وهو ما يتفق مع تصريحات الرئيس التنفيذي لمصرف “جي بي مورغان” للثروات الخاصة، فقد نبه المستثمرين في مداخلة تلفزيونية في أميركا، من أن الفقرة رقم 50 من اتفاقية لشبونة لتأسيس الاتحاد الأوروبي تحتوي على نص يتعامل مع احتمالية خروج أحد أعضاء الاتحاد البالغ عددهم حالياً 28 دولة.
وعادة ما يتفادى المسؤولون الأوروبيون في بروكسل كتابة سيناريو للتعامل مع أزمات المال إلى “اللحظات الحاسمة”، خوفاً من التسريبات، ولكن ضمنياً هنالك دائماً سيناريو جاهز للتعامل مع الأزمات.
من جانبهم، يرى خبراء المال في لندن، أن خطة لـ”خارطة طريق” لاحتمالات خروج بريطانيا، إذا وجدت، لن تكون كافية للتعامل مع تداعيات الحدث، ولكن في المقابل ترصد “العربي الجديد” العديد من المبالغات في التصريحات، خاصة تلك التي صدرت عن دونالد توسك، رئيس البرلمان الأوروبي، التي قال فيها إن خروج بريطانيا سيعني نهاية الحضارة الغربية، أو تلك التي صدرت من أنصار بقاء بريطانيا في الكتلة الأوروبية والتي رفعت تقديرات خسائر بريطانيا إلى أكثر من 100 مليار دولار. هذه مبالغات لا تدعمها الحقائق على أرض الواقع.
من بين التقارير المتوازنة التي صدرت أخيراً تقرير “أوبن يوروب ريبورت”، الذي قدّر خسائر الناتج المحلي البريطاني سنوياً بنسبة لا تفوق 0.8% حتى العام 2030.
وفي الواقع، فإن نتيجة الاستفتاء إذا جاءت لصالح خروج بريطانيا، فإن هنالك عدة خيارات أمام بريطانيا، أول هذه الخيارات هو مناقشة خطة مثالية للتعامل مع الاتحاد الأوروبي تجارياً، مثلما هو الحال بالنسبة لدول أوروبية مثل سويسرا وأيسلندا والنرويج.
ووفقاً للإحصائيات التجارية، ثبت أن هذه الدول الثلاث ليست أعضاء في الاتحاد الأوروبي ولكن حجم صادراتهما لدول الاتحاد تفوق صادرات بعض الدول الأعضاء في الكتلة الأوروبية. وهنالك الفقرة 50 في اتفاقية لشبونة التي تعطي بريطانيا مهلة زمنية حتى العام 2018.
ولكن ما يهم المستثمرين والمتداولين في أسواق الصرف والمال هو كيفية تعامل بروكسل أو قادة المجموعة الأوروبية مع مثل هذا الحدث؟ وذلك ببساطة لأن حجم المعاملات المالية في اليورو تفوق كثيراً التعاملات بالإسترليني.
سيناريو يوم 24 يونيو
الساعات الأولى من يوم 24 يونيو/ حزيران، التي تصادف يوم الجمعة، ستكون ساعات حاسمة بالنسبة للمستثمرين وتوجهات الأسواق في حال التصويت البريطاني لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي. وبالتالي، يرى خبراء في لندن أن أي تراخٍ من جانب دول الاتحاد الأوروبي سيبعث رسالة خاطئة إلى المستثمرين، مفادها أن خروج بريطانيا هو بداية نهاية الاتحاد الأوروبي.
في هذا الصدد، يقول خبير بريطاني إن تداعيات التصويت البريطاني بالخروج من الاتحاد الأوروبي على عملة اليورو ستكون أكبر من تداعياته على الإسترليني، لأن المضاربين سيتجهون لبيع اليورو. وبالتالي من المتوقع أن تكون هنالك معركة شرسة بين “المركزي الأوروبي” والمضاربين الكبار، من أمثال جورج سورس وأضرابه.
ومن المتوقع، حسب سيناريو الـ24 ساعة الأولى، أن يعقد وزراء المال في دول الاتحاد الأوروبي ومجلس إدارة البنك المركزي اجتماعات طارئة تستمر طوال اليوم الأول للتعامل مع أية إفرازات سالبة.
ويرى خبراء مال في لندن أن أولى الخطوات التي سيتخذها البنك المركزي الأوروبي هي التدخل بشراسة لحماية اليورو، وربما يستعين في ذلك بالاحتياط الفدرالي الأميركي.
وهذا يعني أن المركزي الأوروبي سيكون جاهزاً لضخ أية كميات مطلوبة من الدولارات للحفاظ على تذبذب اليورو في نطاق ضيق. وعلى الصعيد السياسي، فإن قادة دول الاتحاد سيتخذون خطوات لدعم التكامل السياسي والاقتصادي والمالي بين دول الاتحاد لإغلاق الطريق أمام الحركات المتطرفة والجماعات المطالبة بخروج دولها من الكتلة الأوروبية.
وهنالك مخاوف من أن يقود خروج بريطانيا إلى حدوث انقسام داخل دول الاتحاد الأوروبي، حيث ستعمل دول مثل بولندا والمجر وهولندا، على تشكيل جبهة تضيف إليها دول الجنوب الضعيفة ضد الهيمنة الفرنسية الألمانية.
ومن غير المستبعد أن يشجع الاستفتاء البريطاني على المطالبة باستفتاءات مماثلة في عدد من دول الاتحاد الأوروبي أو يقود تدريجياً إلى زيادة شعبية الجماعات اليمينية المتطرفة.
وحسب السيناريو المحتمل للأسبوع الأول من الخروج البريطاني، أن يجتمع رئيس الوزراء البريطاني مع زعماء الاتحاد الأوروبي في بروكسل بعد أسبوع من نتيجة الاستفتاء وفتح النقاش حول إجراءات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بناءً على الفقرة 50 من اتفاقية لشبونة، وهذه الفقرة ستستخدم لأول مرة وستمنح بريطانيا مهلة حتى العام 2018 لإكمال إجراءات الخروج.
خلال هذين العامين ستبدأ بريطانيا في مناقشة العديد من الاتفاقات الخاصة بالصيد والتجارة التي كانت تدخل ضمن الاتفاقات المشتركة بين دول الاتحاد الأوروبي.
ولكن وسط استطلاعات الرأي المتشائمة التي توالت نتائجها خلال الأسبوع الحالي، فإن هناك بصيص أمل في أن يصوّت البريطانيون وبقوة لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي.
كما أبلغ بيتر ماير، الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس إدارة “ميدل إيست أسوسيشن” في لندن، “العربي الجديد”، أمس، فإن نتيجة الاستفتاء ستكون وبفارق كبير لصالح البقاء في أوروبا.
ومن بين المؤشرات الإيجابية التي تدعم تصريحات بيتر ماير، ارتفاع الجنيه الإسترليني نحو 0.5% في التعاملات المبكرة في لندن، أمس الجمعة. كما واصل اليورو المكاسب التي حققها في الساعات الأربع والعشرين الأخيرة بدعم من توقعات بتغيّر موازين الرأي العام.