كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: يزداد الواقع المأزوم في لبنان تَأزُّماً مع تعاظُم ارتدادت الصراع الاقليمي – الدولي في المنطقة على استقراره الهشّ، وسط عجزٍ داخلي متماد عن إدارة الحال الانتقالية التي يشكل شلل المؤسسات الدستورية أحد أبرز المظاهر الأكثر إيلاماً لانهيارها المتحدرج.
ويستدرج التورط العسكري والأمني لـ “حزب الله” في الساحات المشتعلة في المنطقة منذ أعوام المزيد من تداعيات الصراع الاقليمي، وكان آخرها العقوبات الأميركية المالية على الحزب، بعد إجراءات مماثلة خليجية – عربية سببها الأدوار الخارجية للحزب وهيمنته على إرادة الدولة في لبنان.
والأكثر إثارة في هذا السياق ان “حزب الله” الذي يمضي قدماً في “أجندته” الاقليمية لم يُبد اي مرونة في تلقف الأخطار الناجمة عن سلوكه، وليس أدلّ على ذلك من استمراره في “خطْف” الاستحقاق الرئاسي منذ أكثر من عامين وتعريضه القطاع المصرفي اللبناني لاختبارات قاسية.
ورغم المؤشرات التي توحي باستعداد فرنسا لمعاودة مساعيها من اجل إنهاء الفراغ الرئاسي في لبنان من خلال جعل هذا الملف بنداً رئيسياً في محادثاتها المرتقبة مع الجانبين الايراني والسعودي، فان المناخ الداخلي يشي بأن لا انتخابات رئاسية في المدى المنظور ما دامت ايران على موقفها.
وذكرت تقارير في هذا السياق ان باريس تعوّل على محادثات سيجريها وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف وولي ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان مع كبار المسؤولين الفرنسيين في زيارتين منفصلتين قبل نهاية الشهر الجاري لإحداث اختراق في المساعي لفك أسْر الاستحقاق الرئاسي في لبنان.
ومن المنتظر ان تستقبل بيروت في العاشر من تموز المقبل وزير الخارجية الفرنسي جان مارك ايرولت لمناقشة الخيارات المتاحة لكسْر المأزق الرئاسي في ضوء الوقائع الاقليمية واللبنانية في هذا الشأن، من دون اي أوهام حيال امكان إنهاء الفراغ في المدى المنظور.
فالانطباع الراسخ في بيروت ان طهران التي تخوض حروباً بلا هوادة في المنطقة، لن تفرط بالملف الرئاسي في لبنان قبل ان يحين وقت المقايضات الكبرى مع اللاعبين الدوليين والاقليميين في شأن ترسيم حدود الأحجام والأدوار ومناطق النفوذ في الشرق الاوسط الجديد.
وسط هذا المناخ الملبد، يستمر الوضع الداخلي في لبنان مشدوداً وأسير رياح معاكِسة، واحدة ساخنة ناجمة عن مفاعيل تورط “حزب الله” في المنطقة ومحاولات “تأديبه”، وباردة عبر استمرار الحوار بين اللاعبين المحليين كـ “مانعة صواعق” للمحافظة على الحد الأدنى من الاستقرار في البلاد.
وهذا الواقع بـ “تناقضاته” عبّر عنه زعيم “تيار المستقبل” الرئيس سعد الحريري في إطلالة رمضانية جديدة من البقاع غروب الجمعة، حين رفع منسوب الهجوم على “حزب الله” لافتاً في الوقت نفسه “انا غير مستعدّ لا من أجل مزايدات ولا من أجل انتخابات ولا من أجل أي شيء ان اسمح لأهلي ان يتعرضوا هنا في البقاع وفي لبنان لما يتعرض له أخوتنا في سورية”، مشيراً الى ان “لبنان بكل مناطقه وطوائفه بدءاً بالطائفة الشيعية الكريمة، يدفع أثماناً لا تطاق لخيارات لا رأي فيها للبنان واللبنانيين ودولتهم” جراء “مسلسل تورط حزب الله وليس شيعة لبنان في حروب لا نجني منها سوى المقاطعة والعقوبات ووقف الدعم عن مؤسساتنا الشرعية”.
واذ رأى ان مشكلة العقوبات الاميركية “تعكس جانباً من هذه المشكلة”، أضاف ان الولايات المتحدة “تحاسب أو تعاقب حزب الله وليس اخواننا الشيعة ومعظم الدول الاوروبية أدرجته على لوائح الارهاب على خلفية عمليات أمنية منسوبة الى الحزب وليس اخواننا الشيعة، وكذلك الامر بالنسبة الى السعودية والبحرين والكويت والامارات وقطر وغيرها من الدول العربية”.
وبالتوازي مع إطلالة الحريري، كان السفير السعودي في بيروت علي عواض عسيري يقيم (الجمعة) إفطاراً في مقرّ السفارة على شرف رئيس الحكومة تمام سلام ورؤساء الحكومة السابقين ومفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان ومفتي المناطق ولفت فيه مشاركة ممثّل رئيس البرلمان نبيه برّي والوزير غازي زعيتر، والرئيس السابق للبرلمان حسين الحسيني.
وجاءت هذه التطورات عشية اسبوع لبناني يزدحم بمواعيد على جانب من الاهمية وأبرزها:
اجتماع المكتب السياسي لحزب “الكتائب” غداً للإعلان “رسمياً” عن الاستقالة الملتبسة لوزيريه من الحكومة، سجعان قزي وآلان حكيم، وسط اجتهادات قانونية ودستورية تجعل من هذه الاستقالة سياسية أكثر مما هي عملية في ظل تعذر استكمال آلياتها لغياب رئيس الجمهورية. ومن المتوقع أن تتضح في ضوء هذا الاجتماع حدود خطوة الاستقالة التي من المرجح أن تكون أقرب الى الاعتكاف.
انعقاد الجلسة الـ 19 لطاولة الحوار الوطني بعد غد وعلى جدول أعمالها بند رئيس يتعلق بقانون الانتخاب كأداة لإعادة إنتاج التوازنات في السلطة، وسط صعوبات تواجهها اللجان البرلمانية المشتركة (تعقد اجتماعاتها أيضاً الاربعاء) للتوافق على صياغات موحدة في شأن طبيعة القانون وتقسيماته.
التآم جلسة جديدة من حوار “ربط النزاع” بين “تيار المستقبل” و”حزب الله”، وهو الحوار الذي يحرص الطرفان على استمراره للحد من الاحتقان المذهبي ومعالجة مشكلات موْضعية ذات طبيعة أمنية أو سياسية، رغم الحملات المتبادلة بينهما التي تعلو حيناً وتخفت أحياناً.
الجلسة 41 لانتخاب رئيس للجمهورية الخميس، وسط اعتقاد سائد بأنه سيكون من الصعب في ظل الرياح اللاهبة في المنطقة إحراز أي اختراق إيجابي في هذا الملف او سواه، في حين يشكل المحافظة على ديمومة الاستقرار الأمني في لبنان إنجازاً لا يستهان به.