أكد الوزير اللواء أشرف ريفي أنّه “لم تعد تنطلي على أحد تلك المحاولات اليائسة الرامية الى الإيحاء بأنّ بقاء المحكمة العسكرية بصلاحياتها الموسعة والإستثنائية على المدنيين هو لحماية الجيش، فهذه الحيلة التي روج لها مدى سنوات أزلام النظام السوري لخداع الرأي العام يقصد منها التعمية عن الغاية الحقيقية لإستمرار نهج المحكمة العسكرية على حاله وهو قمع الحريات وكم الأفواه وتوفير الحماية للمذنبين من أبناء السلطة”.
وشدّد على أنّ “الجيش عنوان الشرف والتضحية والوفاء باق في قلوب اللبنانيين ما دام في عروقهم نبض بفعل تضحياته الجسام وإستبساله للدفاع عن تراب الوطن وعن كرامة مواطنيه، فالجيش محمي بوحدته وبحكمة قيادته وبإلتفاف اللبنانيين حوله، الجيش أثبت في 14 أذار 2005 ويثبت في كل يوم أنّه لا يرمي أبناءه إلا بالورود، ولا يحمل السلاح إلا في وجه العدو”.
كلام ريفي جاء خلال ندوة بمناسبة اطلاق كتاب بعنوان “المحكمة العسكرية والمحاكمة العادلة، تحديد الصلاحيات” لمؤلفه المحامي الدكتور بول مرقص، في نقابة المحامين في بيروت، من تنظيم مؤسسة “جوستيسيا” للانماء وحقوق الانسان، بالشراكة مع مؤسسة “كونراد اديناور”.
وقال: “نلتقي اليوم بدعوة من منظمة “جوستيسيا” الحقوقية التي تطلق ورقة عمل بعنوان “المحكمة العسكرية والمحاكمة العادلة، إعادة تحديد الصلاحيات” بنتيجة تعاون مثمر بينها وبين مؤسسة “كونراد إديناور”. نلتقي اليوم في “بيت المحامي”، معقل الحريات وخط الدفاع الأول عن كرامة الناس، هذا البيت الذي رفع راية النضال لأجل العدالة في محطات مفصلية من تاريخنا الوطني، والذي أعلن إنحيازه الدائم الى الحق، صار بيتا مفتوحا للبنانيين ولكل مؤمن بسيادة القانون على الجميع من دون تمييز”.
وأضاف ريفي: “لن أتحدث اليوم عن موقفي من المحكمة العسكرية وممارساتها الشاذة والخارجة عن كل ما هو مألوف في عالم القانون، فقد سبق وعبرت في أكثر من مناسبة عن رفضي القاطع لإستمرار هذه المنظومة الإستثنائية بممارسة هذا الهامش الواسع من الصلاحيات من دون حسيب او رقيب، حتى صارت سيفا مصلتا على الحريات وعنوانا لأحكام تصدر بإسم السلطة، سلطة الأمر الواقع، لا بإسم الشعب الذي ضاق ذرعا بإزدواجية المعايير فيها.
ولن أستحضر معكم اليوم رحلة الإخفاقات التي سجلتها هذه المحكمة في رصيدها ومدى الخرق الذي يحققه وجودها في ميدان العدالة وحقوق الإنسان، ويكفي ان تعودوا الى ما ذكرته وبينته بصورة واضحة لا لبس فيها ورقة العمل هذه لكي تكتشفوا حجم الإجماع الحقوقي والقانوني الرافض لممارسة المحاكم العسكرية لصلاحيات واسعة وتحديدا على المدنيين.
هذه المحكمة التي نعتت يوماً بأنها محكمة الرفق بالعملاء أثبتت بجدارة أنها السباقة على خسارة ثقة المواطنين بها وأنها قادرة على ان تتخطى كل ضمانات المحاكمة العادلة بلحظات ومن دون ان يرف لها جفن، كيف لا، وهي التي تصدر أحكامها من دون تعليل وكأنها القضاء الذي قدر لنا ان نعيش معه على أنه القدر”.
وتابع: “حتى يومنا هذا، لم تثمر دعوات المجتمع المدني وهيئات حقوق الإنسان المحلية منها والدولية الى حصر صلاحيات المحكمة العسكرية بمحاكمة العسكريين فقط ومنع مثول المدنيين أمام القضاء العسكري تحت أي ذريعة ولأيّ سبب، ولم ينجح أيّ مشروع يرمي الى تعديل صلاحيات المحكمة العسكرية بما يعزز حضور ضمانات المحاكمة العادلة في الوصول الى شاطئ النجاة في مجلس النواب، على رغم الإجماع غير المسبوق على وجود الخلل وعلى أثاره السليبة على صورة لبنان كبلد لطالما تغنينا بانه جزيرة الديموقراطية في العالم العربي، وهذا ليس لعيب في هذا المشروع او ذاك، بل لوجود إرادة واضحة لدى البعض في عدم السماح بخسارة هذا المرفق الخدماتي لهم بإمتياز”.
وقال ريفي: “على رغم أهمية المشاريع المطروحة في هذا الإطار، وجدنا ان إلتزامنا النهوض بالمؤسسة القضائية الى ما هو أفضل، يوجب علينا ان نواكب توجه الدول المتقدمة نحو التخصص في القضايا الخطرة والمعقدة، ولهذا وضعنا مشروع قانون لإنشاء محاكم متخصصة في قضايا الإرهاب أسوة بما فعلته الدول المتقدمة في مجالي العدالة الجنائية ومكافحة الجريمة، والتي لم تكتف بوضع حد لظاهرة المحاكم الإستثنائية عبر إيلاء القضاء العادي صلاحية الحكم بين الناس في كل القضايا من دون إستثناء، بل راحت قدما في إتجاه التخصص القضائي وأنشأت محاكم متخصصة في قضايا الإرهاب والجرائم الكبرى مؤلفة من قضاة تم إعدادهم وتدريبهم ومدهم بأحدث المعلومات والدراسات الخاصة بهذه الجرائم لناحية نموها والأليات والسبل الأنجع لمكافحتها”.
وختم: “أحيي منظمة “جوستيسيا” الحقوقية على هذا العمل، وأثني على نشاطها الدائم في المجالين الحقوقي والقانوني وعلى أمل ان نلتقي وإياكم قريبا ونكون قد أقفلنا حقبة المحاكم الإستثنائية الى الأبد وإنطلقنا في مسيرة التخصص القضائي أسوة بالعالم المتقدم وإحتراما لكرامة شعبنا الذي يعول على امثالكم الكثير”.